الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أهمية السياسة التشريعية
سبق في المقال الأول الحديث عن مفهوم السياسة العامة، وأنه يمكن وصفها بأنها اختيارات الدول في التعامل ومعالجة القضايا ذات المصلحة العامة من عدمه، مع الأخذ بالاعتبار بخيارات السياسات البديلة في تصميم الحلول، قائمةٌ على الأدلة، وقابلةٌ للتكيف مع التحديات التي تواجهها الدول الآنية أو المستقبلية، وذلك في مجالات مختلفة كالإسكان، والاقتصاد، والنقل، والبيئة، والمجتمع. ثم صار الحديث عن مفهوم السياسة التشريعية وأنها: المسلك أو الخطة المتبعة من الجهة المختصة بالتشريع، نحو تطبيق السياسة العامة العليا أو الجزئية في مجالاتها المتنوعة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية والثقافية وغيرها. ومن المعلوم أن لكل دولة سياسة تشريعية خاصة بها تحدد ملامحها، وفقاً لظروفها، والتي تختلف من دولة لأخرى، كما تختلف هذه السياسة التشريعية داخل الدولة الواحدة من وقت لآخـر، ومن مكان لآخر. يأتي التساؤل الآن بأنه كيف نطبق السياسات العامة والتشريعية واقعاً وعملاً؟
يمثل التشريع (إصدار الأنظمة) أحد الأدوات الرئيسة لتطبيق السياسات العامة بمختلف مجالاتها من خلال السياسة التشـريعية، والتي تمثل المنهجية والآلية لترجمة السياسات العامة إلى مجموعة من التشريعات تعكس صفة الإلزام والتنظيم. فالسياسة التشريعية لكل دولة تعتبر المدخل وحجر الأساس في رحلة الصناعة والصياغة التشريعية، يتم من خلالها إصدار الأنظمة واللوائح بما يتوافق مع السياسة العامة ويسعى لتحقيقها وخدمتها، ومن المعلوم أن التشريع لا يكون عشوائيا، وإنما يرتبط بالسياسات العامة والتشريعية للدولة، ويعكس توجهاتها التقويمية والتطويرية. وربطنا للصناعة التشريعية بالسياسة العامة والسياسة التشريعية هو لأن الأصل في النصوص التشريعية هو ارتباطها بأهدافهـا، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك أهدافه؛ ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص ملتزمٌ موضوعيا في إطاره ودائرته ومقصده التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أم مجاوزاً لأغراضه. وبالتالي فإن الاهتمام بالسياسة التشريعية يؤدي إلى سـن تشريع متين ومتطور، في منتهى الوضوح والدقة، منسجم مع الأنظمة الأساسية، وغير متعارض مع الأنظمة العادية، ومساهم لتنفيذ الأنظمة الفرعية، مع مراعاة السياسة العامة المرسومة للدولة أو السياسة الجزئية للجهة الإدارية، مما يضمن قابلية التطبيق ووحدة التنفيذ واتساق المشاريع وتوحيد الجهود وجودة المخرجات، وبما يمنع تعارض الخطط وتكرار المجهودات وتضارب التوجهات والتعارض مع القوانين الأخرى، ابتداءً من الرحلة التشريعية وانتهاءً بإقرار النظام أو حفظه.
معايير السياسة التشريعية
ونظراً للأهمية المتزايدة للسياسات التشريعات في مواجهة التحديات التي تعصف بالدول كافة، فقد أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توصيات ومبادئ توجه السياسات التشريعية لأجل مخرجات تشريعية متينة ومنهجية، ومؤشرات معيارية لقياس جودة التشريع وأثره بعد ذلك، وممكّنات تساهم وتساعد في اتخاذ قرارات تشريعية مبنية على الأدلة والبراهين؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة. ومن أهم السياسات التشريعية التي يسترشد بها وتُنتهج:
ونستكمل في المقال القادم بقية التوصيات المتعلقة بالسياسات التشريعية وتطبيقاتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال