الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل عام 2008م ، كان يقال في الشارع الأمريكي “بنك ليمان بروذرز” Lehman Brothers” البنك الذي لا يُقهر ولا يفلس” وهذا ان دل، فهو يدل على مدى صلابة هذا البنك من جميع النواحي، المالية والادارية والتجارية والقانونية. ولكن الذي حدث، البنك الذي لايفلس أفلس. وهذا ادخل الولايات المتحدة الامريكية من بوابة الازمة المالية في عام 2008م. في المقال السابق، بدأت هذه السلسلة بشرح قانون جلاس – ستيجال لكي استطيع ان اخذ بيد القارئ لفهم المشاكل القانونية التي ساهمت وبشكل صارخ في حدوث هذه الازمة، ونستقي منها دروسا للمستقبل.
في المقال السابق استعرضت الفكرة العامة لقانون جلاس ستيجال، وهي فصل البنوك الاستثمارية عن البنوك التجارية من أجل تقليل معدل المخاطرة بأموال المودعين بهدف الاحتفاظ بأموالهم بعيدا عن استثمار البنك بها. وبالتالي كسب ثقة العميل من ناحية، ومن ناحية اخرى، رفع معدل الثقة بالقطاع المالي ومن ثم بالدولة لقدرتها على حماية أصحاب الأموال من خسارة أموالهم بسبب التهور الاستثماري. واستمر الوضع على هذا المنوال إلى أن تم إلغاء بعض المواد ذات العلاقة بالفصل بين البنوك الاستثمارية والتجارية. السؤال الذي يطرح نفسه، هو ماعلاقة إلغاء بعض مواد هذا القانون بانهيار البنك؟
لنبدأ القصة من لحظة السماح للبنوك التجارية أن تعمل في مجال الاستثمار. البنوك التجارية كان يُسمح لها بعملية الرهن العقاري منخفض المخاطر، بحيث انه محدد بقيمة متناسبة بشكل واضح مع دخل العميل، وهناك شروط واضحة فيما يخص دخل العميل طالب الرهن العقاري. أما الرهن العقاري عالي المخاطر فكان مقتصرا على البنوك الاستثمارية، وهذا يعني أن عملية البيع والشراء في العقار الأمريكي مستقرة، وكان الهدف هو جعل سوق العقار مزدهرا جدا، مما يعني أرباح عالية للعاملين في هذا القطاع. وهذه واحدة من الاسباب التي ادت الى الغاء فكرة الفصل بين البنوك الاستثمارية و التجارية. خصوصا وانه في عام ١٩٩٢ وافق الكونغرس على نظام ” الإسكان بأسعار معقولة”.
كان هذا النظام يستهدف إنشاء شركة فاني ماي و فريدي ماك Fannie Mae and Freddie Mac. هذه الشركة تؤدي دورًا مهمًا في نظام تمويل الإسكان في الدولة – بحيث انها تقوم بتوفير السيولة المالية للعملاء واتاحة الفرصة للمساعدة في تحمل التكاليف لسوق الرهن العقاري. بمعنى انها شركة توفر السيولة و تسهل الوصول إلى الأموال عن طريق القروض بشروط معقولة لآلاف البنوك وشركات الرهن العقاري التي تقدم قروضًا لتمويل الإسكان. كيف يتم ذلك؟
قبل هذا القانون، كان الراغبين بتملك عقار، يستخدمون خدمات الرهن العقاري سواء عن طريق البنك التجاري اذا كان الرهن منخفض المخاطر او البنوك الاستثمارية اذا كان مرتفع المخاطر. المشكله ان قانون “الاسكان الميسر” هو مشروع لذوي الدخل المحدود او اصحاب الطبقة المتوسطة. هؤلاء الذين يرغبون بتملك المنازل، في حين انهم لا يملكون قيمة هذا المنزل. وبالتالي، لا يمكنهم الذهاب للبنوك الاستثمارية لاخذ رهن عقاري بمبلغ يعتبر منخفض. لذلك، عمل شركة فاني ماي وفريدي ماك هو شراء القروض العقارية من المقرضين. بمعنى، ان الفرد صاحب الدخل المتوسط، سبق له ان اخذ قروض مختلفة من بنك او عدة بنوك، لذلك، يعتبر غير مستحق لتملك مسكن عن طريق الرهن العقاري. تقوم هذه الشركة بشراء قروض هذا الشخص، لتملك مسكن عن طريق الرهن العقاري، وبعد ذلك تقوم بشراء هذا الرهن لتحتفظ به في محافظهما أو تضارب بهذه القروض في أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري يمكن بيعها مرة أخرى على البنوك. يستخدم المقرضون الأموال التي يتم جمعها عن طريق بيع الرهون العقارية للمؤسسات للانخراط في مزيد من الإقراض. تساعد مشتريات المؤسسات على ضمان حصول الأفراد والعائلات الذين يشترون المنازل والمستثمرون الذين يشترون المباني السكنية وغيرها من المساكن متعددة العائلات على إمدادات مستمرة ومستقرة من أموال الرهن العقاري. وبهذه الطريقة، يتم خلق سوق عقارية مزدهرة عن طريق تمويل الإسكان في الدولة بتوفير السيولة لذوي الدخل المتوسط و المحدود.
لذلك، ولتحقيق هدف تمويل الاسكان، كان لابد من دمج البنوك التجارية والاستثمارية. حيث ان صاحب الحساب ، يستطيع أخذ رهن عقاري عالي المخاطر من ذات البنك الذي به حسابه الجاري. ومعنى رهن عقاري عالي المخاطر هو انه نسبة الاستقطاع عالية من دخل العميل. وحتى لو لم يكن لدى العميل دخل ثابت، يحتسب قيمة قرض الرهن بقيمة العقار ذاته. لذلك، كان يستحيل أن يتم هذا الأمر بوجود قانون جلاس ستيجال الذي لا يسمح لصاحب الدخل المحدود بأخذ قرض الرهن العقاري من البنك الاستثماري.
فرضت هذه السياسات ، وبشكل أساسي قانون “الإسكان الميسر” التي تديره وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية (HUD) ، تخفيف معايير ضمان الرهن العقاري التقليدية من أجل جعل ائتمان الرهن العقاري متاحًا بشكل أكبر للمقترضين ذوي الدخل المنخفض. النتيجة كانت، ارتفاع عدد مبيعات العقار، ارتفاع معدل الطلب بسبب انتشار المعايير المخففة في السوق المصرفي. وهذا الذي كون الفقاعة العقارية. حيث تضخمت أسعار المساكن عدة مرات بين عامي 1997 و 2007.
بحلول عام 2008 ، كان سداد معظم الرهون العقارية في الولايات المتحدة ضعيف،بل في حالات كثيرة استحال سداد هي المبالغ. النتيجة؟ تعثر في السداد.
انخفض الطلب وزاد العرض في القطاع العقاري، وهذا ادى الى انكماش الفقاعة عندما اصبح من النادر وجود عملاء يطلبون رهن عقاري من البنوك. تفاصيل هذه القضية كثيرة، ففي طياتها مشكلات ذات علاقة بجرائم الفساد المالي والاداري، وعدم وجود الحوكمة. بالاضافة الى ضعف الشفافية ومشاركة المعلومات المضللة من قبل الشركات التي استحوذت عليها شركات الدولة، مثل First American LoanPerformance Inc.والتي شاركت معلومات خاطئة بخصوص معدلات الرهن العقاري بالاضافة الى القروض الممنوحة لذوي الدخل المحدود، حيث أوضحت هذه البيانات لسوق المالي الامريكي، ان سوق الرهن العقاري لا يعاني من ازمة، وإنما فقط يواجه بعض التحديات من خلال تغيير الارقام.
في النهاية، البنوك ايضا بسبب تواطؤ رؤسائها التنفيذيين و رؤساء مجالس الإدارة وكبار الموظفين والملاك مع شركات الرهون العقارية، ادى ذلك الى انكماش الفقاعة عندما عثى الفساد في المؤسسات المالية، وعلى رأسها ليمان بروذرز. حدث ذلك عندما تم إخطار شركة الخدمات المالية بتخفيض التصنيف الائتماني بسبب مركزها في منح الرهون العقارية عالية المخاطر ، استدعى الاحتياطي الفيدرالي العديد من البنوك للتفاوض بشأن التمويل لإعادة تنظيمها. فشلت هذه المناقشات. أصبح بنك ليمان غير قادر على مواجهة الديون مما حدى به الى تقديم التماسًا لاعلان الافلاس، والذي لا يزال يعتبر أكبر ملف إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة ، حيث يتضمن أصولًا تزيد عن 600 مليار دولار أمريكي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال