الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تؤثر مخاطر أسعار الفائدة على الوضع المالي للشركات والأفراد بشكل مباشر، وذلك بسبب التقلبات في معدلاتها، وسوف أسلط الضوء في هذا المقال على تأثيراتها المباشرة على الشركات، وذلك من ناحية الإنفاق والأرباح التشغيلية.
يعد تقبل مخاطر أسعار الفائدة جزء طبيعي من العمل اليومي لقسم إدارة المخاطر داخل الشركات، وقد تستفيد بعض المؤسسات المالية من مخاطر أسعار الفائدة لزيادة أرباحها وقيمة حقوق المساهمين فيها، ومع ذلك، فإن مخاطر أسعار الفائدة العالية ستسبب ضغوطًا مالية كبيرة ، وتهديداً لملاءتها المالية وأرباحها.
من الضروري التعرف على أنواع المخاطر المختلفة التي تسببها أسعار الفائدة، والأهم من ذلك هو معرفة كيفية التعامل معها وإدارتها. هناك العديد من المخاطر التي قد تنتج عن تقلبات أسعار الفائدة، أهمها مخاطر إعادة التسعير، و المخاطر الأساسية، ومنحنى العائد، وعقود الخيارات، والمخاطر المحاسبية. و تٌدار هذه المخاطر عبر نوعين من الإجراءات هي، “نموذج ريدنتون للتحصين – Redington Immunization ” و التحوط باستخدام ” المشتقات المالية”.
تشير مخاطر إعادة التسعير -والمعروفة أيضاً بمخاطر مستوى سعر الفائدة-، إلى الأصول والإلتزامات التي قد تنتج بسبب اختلاف “توقيت الاستحقاق” أو نسبة سعر فائدة متغيرة.
إن إعادة تسعير الأصول والإلتزامات المالية في أوقات مختلفة؛ يؤثر تأثيراً سلبيًا على أرباح الشركة، وهناك أسباب محتملة لهذه المخاطر -وفقًا لتعريف مخاطر إعادة التسعير-، أحدها هو عدم تطابق أوقات الاستحقاق، فعلى سبيل المثال: إذا كانت الشركة تربح 5٪ من أحد أصولها، فمن خلال هذا الربح، ستتمكن الشركة من سداد الدين الذي يدفع فائدة بمعدل 4٪، ولكن يستحق هذا الأصل خلال 4 سنوات، بينما يكون استحقاق الدين خلال 12 عامًا، وبالتالي لن تتمكن الشركة من تغطية الدين خلال الثمان سنوات المتبقية. فلذلك يجب أن يُعاد استثمار هذا الأصل بعد انتهاءه باربع سنوات، ولنفترض بنسبة فائدة 3٪ إذا انخفض سعر الفائدة.ولكن للسنوات الثمانِ المتبقية؛ والتي تتطلب دفع فائدة قدرها 4%, فلن يغطي معدل الفائدة المكتسب 3% من الأصل المعاد استثماره.
والسبب الآخر لمخاطر إعادة التسعير؛ يأتي من أن الأصول ذات السعر الثابت الممولة بمطلوبات مالية ذات معدل متغير، يعني أن الفائدة المكتسبة على الأصول قد تبقى غير متغيرة، في حين أن الفائدة المدفوعة على الدين قد ترتفع.
إن السبب الرئيسي للمخاطر الأساسية هو عدم التطابق في أسعار الفائدة المكتسبة على الأصول، والفوائد المدفوعة على الديون، والمرتبطة بمؤشرين مختلفين.قد يصبح هناك فرق في الفائدة بين سعرين مرتبطين بمؤشرين مختلفين ( LIBOR – SIBOR) أكبر أو أصغر إذا تغير سعر الفائدة، و قد يتسبب هذا في تغييرات غير مرغوب فيها أو غير متوقعة في التدفق النقدي وأرباح الفوائد والمصاريف على الأصول والديون.على سبيل المثال إذا كان هناك إعادة تقييم لسعر الفائدة بشكل شهري على قرض مدته سنتين، وفقًا لسعر الفائدة المعروض بين البنوك في السعودية (SIBOR)، وإعادة تقييم أصل مدته سنتين بشكل شهري، وفقًا للفائدة المعروضة في بنوك لندن (LIBOR) ؛ فقد تتغير أسعار القرض والأصل سواء بالزيادة أو النقص حال وجود تغير في سعر الفائدة، مما يؤثر على أرباح الفوائد وفرق المصروفات.
يمكن ان تتأثر القيمة أو الدخل للأدوات المالية ( السندات، الصكوك) ذات فترات الاستحقاق المختلفة لذات المؤشر بشكل سلبي، وذلك بتغير سعر الفائدة، ونسمي هذا النوع بمخاطر “منحنى العائد”.
على سبيل المثال؛ مؤكداً مع تغير أسعار الفائدة سيكون هناك ارتفاع أو انخفاض لعوائد السندات.
ولنفترض أن لدينا سند خزانة مستحق خلال 3 سنوات والآخر مستحق خلال 20 سنة(يمكن إصدار سندات على عدد سنوات مختلف من نفس السند)، مع انخفاض في أسعار الفائدة، سوف ينخفض العائد ب 150 نقطة أساس للسند ذو الفترة الطويلة (20 سنه)، ولكن السند الذي يستحق خلال 3 سنوات، فقد يحصل تغيير 40 نقطة أساس فقط في العائد.
تأتي مخاطر عقود الخيارات إما من الخيارات المستقلة أو من الخيارات المشمولة في الأدوات المالية، و هناك نوعان من الخيارات؛ هي خيار عقد الشراء، و خيار البيع، ويعطي خيار الشراء للمشتري(مالك الخيار) الحق وليس الالتزام بشراء الأداة المالية الأساسية (سهم معين ) بسعر محدد مسبقًا خلال فترة محددة.
ويعطي خيار البيع للمشتري(مالك الخيار) الحق وليس الالتزام ببيع الأداة المالية الأساسية بسعر محدد مسبقًا خلال فترة محددة، ويلتزم البائع (محرر العقد ) بأداء ما يختاره المشتري، سواءً كان شراءً للعقد أو البيع.
تتضمن أمثلة الخيارات الحرة عقود الخيارات خارج البورصة، وعقود الخيارات المتداولة في البورصة، مثل خيار الشراء في سهم سابك بسعر تنفيذ 100 ريال في 11 نوفمبر وهو بقيمة 0.8 ريال (وهو في الواقع بسعر 80 ريالاً لخيار الشراء نظرًا لأن العقد الواحد يشمل 100 سهم أساسي). أما الأدوات المالية ذات الخيارات المشمولة؛ مثل الأوراق المالية، والسندات المرفقة بشروط البيع أو الشراء والودائع التي تمنح المودعين الحق في الانسحاب في أي وقت والقروض التي تمنح حاملي القروض (المقترضين) الحق في سداد القرض مقدمًا وغير ذلك من أشكال أدوات التمويل المماثلة التي تسمح بسحب الأموال في أي وقت قبل الاستحقاق دون عقوبة.
تأتي المخاطر المحاسبية من تغيرات القيمة اليومية للأدوات المالية عندما تتغير أسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال تخضع القروض الجاهزة والمحافظ المالية القابلة للتداول (الأسهم أو السندات وغيرها..)؛ لتغيرات في قيمتها بسبب تغيرات أسعار الفائدة، وهي تحتوي على مخاطر محاسبية، حيث تُحسب قيم هذه الأصول وتُحدث بشكل دوري ويجب إظهار أي خسارة للقيمة في الأرباح الحالية أو حساب رأس المال العامل وفقًا لمعايير التقارير المالية الدولية ( IFRS ).
سينخفض إنفاق المستهلكين من الأفراد والشركات عندما يرتفع سعر الفائدة، و سيؤدي هذا إلى انخفاض أرباح الأعمال، وسينعكس هذا التأثير بشكل مباشر على انخفاض أسعار أسهم الشركات المدرجة في سوق الأسهم.
كما أن رفع سعر الفائدة يؤدي أيضاً إلى انخفاض أسعار المنازل، ومن المحتمل أن يؤدي إلى تراجع الاقتصاد في حال تم الرفع لعدة مرات متتالية كما يحصل الآن من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي، وذلك بسبب إسهامه في تقليل الإنفاق وتشجيع الادخار، حيث يشير الإنفاق الأقل إلى انخفاض الطلب والذي من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض أسعار المنتجات والبضائع والسلع وغيرها.
وستكون الشركات التي لديها ديون ذات معدل فائدة متغير مُهددة برفع سعر الفائدة، كما سيؤثر سعر الفائدة على الإنفاق الإجمالي بسبب ارتفاع تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
هناك تقنيات عديدة لإدارة مخاطر أسعار الفائدة والآثار الناتجة عنها، ومن أهم الأساليب الكمية هو أسلوب “نموذج ريدنتون للتحصين – Redington Immunization ” ، يُعرِّف مؤسس استراتيجية التحصين فرانك ريدنتون؛ بأن التحصين هو استثمار للأصول لدعم المطلوبات المالية بطريقة تجعل المحفظة المالية للأصول والمطلوبات محصنة ضد أي تغيير في سعر الفائدة. وذلك عبر توفر الشروط الثلاثة التالية:
الشرط الأول لتحصين ريدنتون هو تطابق الأصول والمطلوبات، ويهتم بمخاطر إعادة التسعير المتعلقة بالفائدة المتغيرة (المذكورة أعلاه)، بينما يهتم الشرطان الثاني والثالث بمخاطر إعادة التسعير من فروق توقيت الاستحقاق.
من خلال المثال التالي سنرى كيف يعمل تحصين ريدنتون.
لنفترض أن شخص لديه ديون بقيمة 1 مليون ريال مستحق خلال 4 سنوات، ولديه دين آخر بقيمة 2 مليون ريال مستحق خلال 5 سنوات، ولديه حاليًا أصول (أ) و (ب) ,إذا كان الأصل الأول (أ) يحقق أرباحاً بقيمة 1 مليون ريال في العام الرابع، والأصل الآخر (ب) يحقق أرباحاً قدرها 1 مليون ريال في العام الثامن.
لنفترض أنه تم تطبيق معدل فائدة بنسبة 5٪ سنويًا، يمكننا اختيار المبالغ المناسبة للأصول (أ) و (ب) لتشكيل تحصين ريدنتون. بعد عدة حسابات دقيقة يمكننا معرفة أن الأصل (أ) يساوي2.43مليون ريال والأصل (ب) يساوي 0.58 مليون ريال؛ فيمكننا الحصول على تحصين ريدنتون. فسيكون صافي القيمة الحالية لكل من الأصول والمطلوبات هو 2.39 مليون ريال ومدة ماكولاي ( Duration ) لكليهما ستكون 11.13 وتقلبات الأصول 58.04 (Convexity (,في حين أن محدودية تقلبات المطلوبات المالية هي52.34 وبهذا استوفيت جميع شروط تحصين ريدنتون الثلاثة و يمكننا القول أن المحفظة المالية تتكون من أصلين و2 من المطلوبات المحصنة ضد التغيير العام في سعر الفائدة.
تتمثل إحدى طرق ادارة المخاطر الأساسية الدخول في مجموعة من العقود الآجلة التي تأخذ أحد المؤشرات كمرجع وتدخل في مقايضة أساسية تأخذ الفرق بين المؤشرين. و هناك تقنيات أخرى ولكن نحن نأخذ طريقة واحدة فقط كالمثال اعلاه و قد نناقش المزيد من الطرق في مقالات لاحقة.
تتمثل إحدى طرق ادارة مخاطر منحنى العائد في إنشاء محافظ مالية، بحيث عندما يتغير سعر الفائدة ستتغير قيمة المحافظ نحو اتجاه واحد. ويجب التنبؤ بحركة سعر الفائدة لإنشاء مثل هذه المحافظ المالية.
هناك الكثير من النماذج الرياضية أو الإحصائية لتتبع حركة سعر الفائدة، مثل النماذج الثابتة والنماذج الديناميكية والنماذج العشوائية ومحاكاة مونت كارلو لحركة سعر الفائدة، وتحظى النماذج العشوائية لمعرفة سعر الفائدة باهتمام متزايد، وقد نناقش المزيد حول النماذج العشوائية في مقالات لاحقة.
تتمثل إحدى أساليب إدارة مخاطر عقود الخيارات الشائعة في تطبيق بعض مجموعات الخيارات، وهناك نوعان شائعان؛ هما خيار الشراء المُغطى و خيار البيع الوقائي، بالنسبة إلى خيار الشراء المُغطى فتعتبر إستراتيجية بيع خيار الشراء مع امتلاك الأصل الأساسي، فإذا انخفض سعر الأصل فإن علاوة خيار الشراء ستعوض خسارة سعر الأصل، و إذا انخفض سعر الأصل فإن سعر الأصل سيضمن الدفع مقابل خيار الشراء المباع، ويكون ربح خيار الشراء المُغطى محدودًا في هذه الحالة.
خيار البيع الوقائي هو استراتيجية شراء خيار بيع أثناء امتلاك الأصل، و سيحد خيار البيع الوقائي من الخسارة عندما ينخفض سعر الأصل الأساسي، بينما يحافظ على الربح عندما يرتفع سعر الأصل الأساسي. وهناك العديد من استراتيجيات دمج الخيارات الأخرى لإدارة المخاطر.
تتمثل إحدى طرق تقليل المخاطر المحاسبية في تنويع المحفظة المالية جيداً، لأنه قد لا تقل المخاطر المحاسبية بسهولة عندما يكون الاقتصاد متراجعًا، ففي هذه الحالة؛ تتمثل إحدى الطرق في طلب المشورة من الاقتصاديين، والتحقق من إمكانية تعافي الاقتصاد والجدول الزمني المحتمل، بينما الطريقة الأخرى هي إقناع أصحاب أسهم المحفظة المالية بأن الاقتصاد سوف ينتعش مستقبلاً وإخبارهم بأن ينتظروا، وبطبيعة الحال فإن أفضل إجراء هو تحليل اتجاه الاقتصاد واتخاذ الإجراءات قبل هبوط السوق.
يُعد ارتفاع سعر الفائدة علامة اقتصادية جيدة على أن سوق الأسهم سينخفض بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية.
إحدى استراتيجيات الأثر الاقتصادي هي الحصول على مطلوبات بسعر فائدة ثابتة قبل رفع سعر الفائدة، وهناك طريقة أخرى؛ و هي تطبيق تحصين ريدنتون من البداية عند ثبوت المطلوبات، ويمكن استخدام المنتجات والسلع والبضائع والعقود الآجلة لجني الأرباح في حال كان من المتوقع هبوط أسعارها .
كما يمكن تطبيق بعض مجموعات المشتقات المالية لتقليل مخاطر أسعار الفائدة، وقد نُناقش المزيد من التقنيات في مقالات لاحقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال