الامتثال لنظام المنافسة .. من دليل الهيئة إلى برامج الامتثال الداخلية (2-2)

ناقشنا في المقال السابق ضرورة التعامل مع حماية المنافسة بشكلٍ أكثر عمقاً من النظام واللائحة، والسبب هو أنَّ المنافسة الحرة تحتَوِي على عنصر ثقافي معنوي أكثرَ منه مادي إداري.

وعلى اعتبار أنَّ الهيئة العامة للمنافسة قد أدرَكَتْ طبيعة التحدِّي الواقِعِي لفرض حماية المنافسة، فقد أصدرت دليلاً استرشادياً للمنشآت حتى تستطيعَ وَضْعَ برامِجها الداخلية الهادِفَة للامتثال لنظام المنافسة ولائحته.

ومن أهمِّ عناصر هذا الدليل الذي أصدَرَتْهُ الهيئة، هو تقديم مجموعةٍ من الخطوات الواقعية التي تَرسُمُ النهج المطلوب لكلِّ منشأةٍ حتى تلتَزِمَ بنظام المنافسة.

وقد قسَّمت الهيئة خطوات تنفيذ برنامج الامتثال الداخلي للمنافسة، كما يلي:

• أولاً: دور إدارة المنشأة؛ حيث يجب أن تَلتَزِمَ الإدارة العليا في المنشأة بالمنافسة بشكلٍ صريحٍ، وهذا الالتزام يجب أن يكون التزاماً فعليَّاً، وليس نظرياً فحسب.

فمثلاً، يمكن أن يكون من أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة مَن هُم مسؤولين تِجَاه الإدارة والجمعية العامة للشركة عن الامتثال للمنافسة، وكذلك يمكن تشكيل لجنةٍ خاصةٍ بالمنافسة تكون مُنبَثِقَةً عن المجلس.

ويكون التحدِّي الأكبر أمام الإدارة هو ترسيخ ثقافة المنافسة وليس مُجرَّد تطبيق الأنظمة واللوائح، وللوصول إلى هذه الثقافة يمكن القيام بما يلي:

• تدريب الموظَّفين على اكتشاف مخالفات المنافسة وكيفيَّة التعامل معها.
• التواصل المباشر بين الموظَّفين والإدارة العليا فيما يخصُّ وقائع المنافسة.
• وضع الالتزام بنظام المنافسة ضمن بنود السلوك الوظيفي.
• معاقبة الموظَّف المُخَالِف تأديبياً داخل الشركة إضافة إلى إمكانية خضوعه للمساءلة المدنية أو الجزائية.
• مكافأة الموظَّف النشيط في إطار حماية المنافسة.

• ثانياً: دور تحليل المخاطر؛ على اعتبار أنَّ المنشأة قد تكون حديثة العهد بالتعامل مع احتمالات حدوث انتهاك للمنافسة الحرة، فيجب تحديد الممارسات التي تَدخُلُ ضمن نشاط المنشأة، والتي قد تؤدِّي إلى الإضرار بالمنافسة، ويدخل ضمن هذه المخاطر:

• حجم المنشأة، بالمقارنة مع حِصَّتِهَا السوقية.
• نشاط المنشأة، بالمقارنة مع توفُّر السلع والخدمات التي تُنتِجُهَا في السوق.
• علاقات المنشأة، بالنظر إلى إمكانية تطوُّرِهَا إلى اتفاقاتٍ سوقيةٍ.

• ثالثاً: دور الإبلاغ عن المخالفات؛ يجب أن تَحتَوِي المنشأة على هيكلٍ إداريٍّ واضحٍ لتلقِّي البلاغات الممكنة عن مخالفات المنافسة، وكيفية التعامل معها بشكلٍ سريعٍ وفعَّالٍ، وذلك عن طريق:

• تعيين موظَّفٍ مسؤولٍ عن تلقِّي البلاغات، يكون مسؤولاً عن الاتِّصالات بهذا الخصوص بهدف الالتزام بالمنافسة الحرة.
• إنشاء نقطة اتِّصال مباشرةٍ بين مسؤول الاتِّصال والإدارة العليا.
• تضمين مهام مسؤول الاتِّصال الحصول على الموارد البشرية والمالية وإقامة الدورات التدريبية.
• تعريف جميع الموظَّفين بمسؤول الاتِّصال والتشجيع على التواصل معه في حال اكتشاف أية مخالفةٍ ممكنةٍ، وبشكلٍ خاصٍّ إدارة المفاوضات والعقود في المنشأة.

• رابعاً: دور الهيئة؛ حيث يجب على المنشأة أن تتعاون مع الهيئة في اكتشاف ومعالَجَة المخاطر الممكنة والمخالفات الواقعة للمنافسة. وتشمل جوانب التعاون آلية التحقيق بالمخالفات، وكافة الإجراءات التي تقوم بها الهيئة تنفيذاً لسلطتها بحماية المنافسة، وحماية المُبلِّغِينَ عن المخالفات.

وهنا يمكن للهيئة أن تَقتَرِحَ على المنشآت تعيين موظَّفٍ خاصٍّ للتواصل مع الهيئة، بحيث يكون من واجِبَاتِهِ فتح خطِّ اتِّصال مباشر مع الهيئة، إضافةً إلى توعية باقي الموظَّفين عن مهام الهيئة وسلطاتها.

• خامساً: دور تدريب الموظَّفين؛ تُعتَبَر مسألة الامتثال للمنافسة من الأمور المهنية الواقعية، والتي تحتاج إلى تدريب فعلي، وليس فقط معرفة نظرية.

لذا، فإنَّ تدريب الموظَّفين هو المرحلة الأعلى لتأهيل كادرٍ وظيفيٍّ قادرٍ على الامتثال للمنافسة، وهي في الواقع مرحلةٌ شاقَّةٌ؛ لأنَّها تتطلَّب وقتاً وجهداً دقيقاً للتأكُّد من قدرة الموظَّفين على اكتشاف مخالفات المنافسة.

وفي هذا الإطار، يجب على الشركة أن تُخَصِّص نشاطها التدريبي وفق درجة المخاطر التي يتعرَّضُ لها كلُّ موظَّفٍ؛ حيث إنَّ موظَّفي المبيعات والتسويق وإدارة العقود أكثرُ تَعَرُّضَاً لمخاطر انتهاكات المنافسة، وهو ما يَفرِضُ تدريباً أطول وأكثر عُمقاً لهم مقارنةً بباقي الموظَّفين الإداريين الذين لا يتعرَّضُون لمخاطرٍ فعليةٍ لانتهاك المنافسة.

• سادساً: دور المتابعة وتقييم النتائج؛ بعد أن يتمَّ وضع برنامج الامتثال للمنافسة وفق العناصر السابقة، فإنَّ على المنشأة أن تُرَاجِعَ مدى حسن تنفيذ كلِّ عنصرٍ منها، فيجب تقييم دور الإدارة، وحسن إدارة المخاطر، وسلاسة تنفيذ آلية الإبلاغ عن المخالفات، وفعالية برنامج تدريب الموظَّفين وفق تصنيفات مراكِزِهِم الوظيفية بالنظر إلى مخاطر المنافسة.

وهكذا، تستطيع المنشأة الانتقال من كَونِهَا محلُّ مراقبةٍ ونظرٍ من الهيئة خوفاً من ارتكابها لمخالفة تتعلَّق بالمنافسة، إلى عنصرٍ مُسَاهِمٍ ليس فقط في تطبيق نظام المنافسة ولائحته، بل أيضاً في ترسيخ ثقافة المنافسة وجَعْلِ الامتثال لها جزءاً من منظومة العمل الاعتيادية، دون أن يَشعُرَ الإداريُّون أو الموظَّفون في المنشأة بأية صعوباتٍ أو تعقيداتٍ سواءً على الصعيد النظري أم العملي.