الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اغروقت عينا رامي بالدموع وهو في تلك اللحظة الحاسمة من حياته، فقد ترجل والده رحمه الله عن الحياة الدنيا، وهو الذي سبق عصره في المخاطرة بتأسيس بدايات مطاعم الوجبات السريعة واستقطاب الامتياز التجاري من شركة عالمية في قلب مدينة جدة التي كانت تعد العاصمة التجارية للمملكة في ذلك الوقت من سبعينيات القرن العشرين. وكان أخاه الأكبر “إحسان” جالساً على كرسي المكتب الوثير، وهو يراجع الرسائل الواردة للشركة من جهات مختلفة، حتى وصل إلى رسالة جحظت عيناه عند قراءتها.
كانت الرسالة التي بين يدي إحسان واردة من فرنسا، وتحديداً من الشركة الفرنسية العملاقة التي تعاقد معها والدهم وحصل على امتياز علامتها التجارية في المملكة، حيث كانت الشركة الفرنسية تخطرهم بفسخ العقد بسبب وفاة الطرف الثاني، حيث كان العقد فردياً حينها، ولم يكن هناك سبيل لتوريث الامتياز التجاري. ودار بين الأخوين حوار طويل، فالعلامة التجارية الفرنسية لم تجلب في افضل احوالها اكثر من 100مائة عميل خلال سنة كاملة. وهناك العديد من المصروفات سواءً المكتبية او الفنية او مصروفات الامتياز التجاري ذاته، وحتى الشاي والقهوة، لم تكن مبررة في ظل الأزمة الحاصلة.
دخل إحسان الى مقر الشركة منادياً رامي بكل جزع في ذلك الصباح من صباحات جدة، حاملاً معه رسالة عليها شعار البنك العملاق المعروف في مدينة جدة، ولم يحتاج إحسان للكلام كثيراً فقد القى رامي نظرة على المستندات البنكية، فذهل لحجم المطالبات البنكية التي وصلت إلى ملايين الريالات، واخذ ينظر إلى حاله هو وأخيه وهم الذين ما زالوا طلاباً بالجامعة في ذلك الوقت، فكيف سيتجاوزون هذه الازمة الخانقة، فأخذ رامي يفكر بعمق، هل نغلق او نبيع المطعم وننكمش لنعود إلى نقطة الصفر، ام نتحمل مخاطرة إعادة جدولة الديون ونقدم لجهات التمويل خططاً واعدة لإقناعهم بالاستمرارية في إعادة الجدولة.
رحب زيد مدير البنك العملاق بالشابين رامي وإحسان في ذلك الوقت المبكر من سبعينيات القرن العشرين، وهي فترة بداية الطفرة التي كان يهنأ فيها اغلب الشعب السعودي بمميزاتها، وفي ذات الوقت يعيش رامي وإحسان في أصعب فترة في حياتهم على الاطلاق، وكانت أسئلة زيد للأخوين من واقع مسؤوليته بالبنك، تدور في رحى التأكد من وجود مستقبل للمطعم بعد وفاة الوالد. ولم تمضي فترة طويلة، حتى قام الأخوين بتوقيع كمبيالات بكامل قيمة المديونية في مخاطرة كبيرة بحياتهم ومقدراتهم، وبإيمان كبير بالفكر الذي أسسه والدهم في مجال الوجبات السريعة الراقية.
بعد مشهد توقيع الكمبيالات بفترة وجد زيد “مدير البنك” نفسه متجهاً إلى مطعم رامي وإحسان لتجربة وجبة البروست الذي تحدثا عنها أمامه، وكان زيد يجربها لأول مرة بحياته. وتفاجأ وهو ينظر إلى منطقة تجهيز الطعام ليجد رامي ذلك الشاب السعودي، خريج الجامعات وابن العائلة الكريمة، يعمل بنفسه لتجهيز الطعام مبتسماً راضياً، بل وينظف الارضيات بنفسه دون خجل من نظرة المجتمع، وقد كان بالمطعم وقتها اكثر من ١٠٠ عميل في ساعة من نهار ذلك اليوم، بعد أن كان عدد العملاء سابقاً لا يتعدى ١٠٠ عميل بالسنة كلها. تنامى لدى زيد الاحساس وقتها بأن هذا المطعم لن يكون مجرد مكان لتجهيز الوجبات، بل هو ظاهرة سعودية ستصل صداها إلى أقاصي الأرض.
ومرت سنوات طويلة، حتى أصبح زيد الذي بلغ السبعين من عمره، خبيراً في الاقتصاد، يتذكر بين فينة واخرى وجه الشابين رامي واحسان، لا سيما وهو يحضر المؤتمر الدولي الذي يعرض خلاله قائمة لأفضل شركات على مستوى العالم في قطاع الوجبات السريعة خارج الولايات المتحدة، ليجد امامه اسم “البيك” بالمركز السادس عالمياً وبجواره علم المملكة العربية السعودية، وشعار “صنع في السعودية”، وصعد بعد برهة على المسرح الأخوين رامي وإحسان، ينقلان الشغف بنظراتهم لكل من حضر، وإجابة على سؤال احد الحضور عن عوامل النجاح، فقال رامي: بعد توفيق الله، نهتم باستفادة العامل والزبون، وجودة المنتجات لها أولوية عالية، والربح طويل المدى، ثم التفاعل مع المجتمع، وهذه العناصر الأربعة التي يجب أن تتوافر في كل عمل تجاري، لتحقيق النجاح بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال