الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد يكون هذا التساؤل مستفزاً للبعض خصوصاً المعنيين بإدارة الصناديق الاستثمارية العقارية، وليس المقصد من الفشل هو الخسارة فقط، بل قد يكون التأخر في التصفية والتخارج أو أن نسبة الأرباح المحققة أقل مما كان في مرحلة التسويق والترويج للصندوق أثناء الطرح.
والواقع يشهد بأن قليل من الصناديق الاستثمارية العقارية حققت النتائج المتوقعة والأقل منها هي التي تجاوزت تلك التوقعات. لكن فعلاً يبقى هذا التساؤل مطروحاً لدى كثير من الناس خصوصاً المستثمرين: لماذا فشلت وتفشل وستفشل كثير من الصناديق الاستثمارية العقارية؟
هذا التساؤل يحتاج إلى دراسة معمقة وبشفافية عالية من قبل هيئة السوق المالية أو من المختصين الماليين وبدعم وحرص من مدراء الصناديق الاستثمارية العقارية الذي تهمهم المحافظة على احترافية عملهم وسمعتهم في السوق.
عندما قامت هيئة السوق المالية مؤخراً بتعديل بعض الشروط والإحكام الخاصة بطرح الصناديق العقارية خصوصاً المغلقة ومن أهمها مبلغ الاشتراك، فقد كان الحد الأدنى في السابق مليون ريال، وحالياً أصبح ألف ريال، فيمكن حيث يمكن لأي مستثمر ولو بمبلغ بسيط الاستثمار في الصناديق الاستثمارية العقارية المغلقة.
وعادة مع تعديل الأنظمة الحكومية تتكون فرص جديدة في السوق وربما تموت أخرى سابقة لها لم تستطع التوافق مع الأنظمة الجديدة. لذا تكونت شركات تقنية مالية “فنتك” جديدة متخصصة في صناديق الاستثمار العقاري. لكن الملفت للانتباه كثرة الطروحات الاستثمارية لهذه الشركات في الآونة الأخيرة، وبما أنها أصبحت تمس حتى صغار المستثمرين فذلك يجعل التساؤل يعود مرة أخرى.
بحكم خبرتي في الاستثمار والتطوير العقاري وعلاقتي المباشرة مع الصناديق العقارية المغلقة والمفتوحة وصناديق الاستثمار العقارية المتداولة “الريت” سواءً في الدراسات والاستشارات أو الصفقات العقارية أو عضوية في مجلس الإدارة لبعضها، تكونت لدي بعض القناعات والتي أتوقع أنها من أسباب فشل كثير من الصناديق الاستثمارية العقارية، وسأركز في هذا المقال على أهم ثلاث نقاط:
1. ضعف الخبرة العقارية لدى المختصين الماليين: من واقع تعامل مع المختصين في المالية والاستثمار، فإن كثير منهم يعامل العقار بطريقة تشابه تعامله مع الأوراق الاستثمارية الأخرى مثل الأسهم والسندات والصكوك وغيرها، حيث يتعامل مع العقار بلغة أرقام الآلة الحاسبة وبالنسب والمؤشرات المالية فقط، مع أنه في بعض الأحيان تلك المؤشرات مثل معدل العائد الداخلي IRR في الأصول العقارية قد لا تتوافق مع طموحات الماليين، حيث أن طبيعة العقار كأصول – غير الأصول في لغة الماليين – تختلف كثيراً عن الاستثمارات الأخرى. وحقيقة لم أتعامل إلا مع قلة من الأشخاص الذي لديهم خبرة عقارية حقيقة في الشركات المالية التي تدير الصناديق الاستثمارية العقارية، وبعض الماليين خبرته العقارية لا تتجاوز “سمعت ويقولون”، لذا ضعف الخبرة العقارية لدى الشركات المالية وعدم وجود أشخاص مؤهلين ذوي خبرة وتجارب عقارية حقيقية على أرض الواقع من أهم أسباب فشل الصناديق الاستثمارية العقارية. أذكر ذات مرة اجتمعت مع رئيس تنفيذي معروف لأحد كبار الشركات المالية واتفق معي على هذه النقطة ولو مجاملة!
2. عدم كفاءة طريقة تقييم الأصول العقارية: وإن كانت مرتبطة بالنقطة الأولى لكنها تستحق أن تفصل في نقطة أخرى، وأركز هنا على صناديق الاستثمار العقارية المتداولة “الريت” والصناديق العقارية الأخرى التي تركز على شراء العقارات المدرة للدخل. حيث يكون تركيز المختصين الماليين الأساسي أيضاً على لغة الأرقام فقط – على فكرة لغة الأرقام قد تخذلك أحياناً – فيتم التركيز بالدرجة الأولى على سعر شراء العقار وكم العائد له، رغم أهميتها في أي استثمار لكن لا يقل أهمية عنها في الاستثمار العقاري عن نوعية العقار وموقعه وتصميمه وجودة بناءه وتشطيبه وعمره ومستقبله واستدامته وطبيعة ونوعية المستأجرين … إلخ. أذكر في ذروة نشاط صناديق الريت عامي ٢٠١٨م و٢٠١٩م، كان تركيز مدراء الصناديق على البحث عن أصول مدرة للدخل بعوائد ٩٪ وأكثر، حيث كان أحد صناديق الريت يتفاوض على شراء مشروع عقاري بعائد ٧٪، حيث سمعت من بعض ممن يعملون في شركات مالية أخرى السخرية من هذه الصفقة ذات العائد القليل، فقلت لهم بمعرفة عقارية وليست مالية، لو عُرضت عليّ هذه الصفقة لقمت بشرائها بعائد ٧٪ ويمكن أقل، وذلك لأنه مشروع تجاري جديد ومن المشاريع العقارية المميزة، وتصميمه رائع وغير تقليدي فهو عبارة عن مجموعة من التحف المعمارية المتناسقة والمتناغمة مع بعضها البعض وبجودة عالية في التنفيذ والتشطيب تقارب ٥ نجوم، وموقعه الاستراتيجي بجانب البحر، علاوة على أن المستأجر شركة دولية معروفة بعقود إيجار طويلة. لكن ربما أحداث كورونا وآثارها كانت درساً جيداً لكثير من صناديق الريت وتبين لهم مدى ضعف وهشاشة كثير من الأصول العقارية ذات العوائد ٩٪ وأكثر.
3. تركيز اهتمام الصناديق على الرسوم: من خلال مذكرات الطرح والشروط والأحكام والتي يُكتب بعضها بخط صغير تُجهد القارئ في قراءته وتصيبه بالملل، نجد بعض الصناديق الاستثمارية العقارية خصوصاً الصغيرة والمتوسطة منها ينصب تركيزه واهتمامه على الرسوم بشكل أكبر بكثير من جودة وكفاءة الأصول العقارية الموجودة فيه. فتجدها تشارك الوسيط العقاري في عمولته وتأخذ رسوم على الطرح وعلى الإدارة والتأجير والتشغيل وإدارة المرافق وحسن الأداء والهيئة الشرعية والحفظ … إلخ. لذا كثرة الرسوم وتعددها والتي إذا جُمعت أصبحت نسبة عالية تقلل من ربحية المستثمرين بها ومن جاذبية الاستثمار فيها في المستقبل، وأيضاً فيها ضرر على الشركات المالية التي أنشأتها وتديرها وقد تقلل من احترافيتها ومهنيتها في العمل بل وحتى سمعتها في السوق واستدامة الاستثمار فيها مرة أخرى.
ما تم ذكره يمثل وجهة النظر الشخصية في هذا الموضوع وربما هناك أسباب أخرى مهمة، لذا يحتاج الموضوع إلى دراسات أكثر عمقاً وموضوعية. وقد يظن البعض – وإن بعض الظن إثم – وسمعت ذلك من أكثر من شخص أن بعض الصناديق العقارية فيها تجاوزات غير نظامية أو يحدث فيها تلاعبات من تحت الطاولة أو بمعنى آخر “فساد” وأن هذا هو السبب في فشلها، والحقيقة والذي رأيته وتعاملت معه أن الجهات المالية والصناديق الاستثمارية منضبطة وملتزمة بالحوكمة والأنظمة والتعليمات الرسمية وأيضاً عليها رقابة صارمة أكثر من القطاع العقاري، لكن نقول كما في المثل الشعبي: “قلة دبرة”. وأخيراً لا أجزم أنني أجبت عن التساؤل بل لا يزال مفتوحاً، وهو لماذا فشلت كثير من الصناديق الاستثمارية العقارية؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال