الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مؤشر الناتج المحلي الإجمالي (GDP) هو المقياس الأقوى من بين المؤشرات الاقتصادية والذي يهيمن على اقتصادات العالم، وقد وصف مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي (BEA) هذا المؤشر بأنه “أحد أعظم اختراعات القرن”، ولكن هل سيستمر كما هو في القرن الواحد والعشرين كأهم مؤشر في قياس الأداء الاقتصادي للدول بشكله الحالي؟
تم حساب مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في عام 1932 على يد الاقتصادي الإنجليزي الشهير “جون مينارد كينز” الذي أعاد قراءة واستخدام نظرية الاقتصاد الكلي والسياسات الاقتصادية للحكومات، وفي عام 1934 بواسطة الاقتصادي الأمريكي “سايمون سميث كوزنتس” الحائز على جائزة نوبل في عام 1971، صاحب النهج التجريبي للنمو الاقتصادي، إلا أن “كينز” و “كوزنتس” قضوا معظم حياتهم المهنية في محاربة إساءة استخدام هذا المؤشر، خاصة أنه قد يشير إلى ضخامة غنى دولة بينما يكون متوسط دخل الأفراد فيها متدنياً بسبب عدد السكان العالي، أو إظهار مستوىً عالٍ للإنتاج ولكن بتراكم تلوث بيئي.
تنبه لهذه المسألة العديد من الشخصيات الاقتصادية الهامة وانتقدوا وحذروا من مؤشر الناتج المحلي الإجمالي بصوت عالي، من أبرزهم الاقتصادية البريطانية “ديان كويل” في كتابها “الناتج المحلي الإجمالي”، و أستاذ الاقتصاد الإيطالي الشهير “لورنزو فيورامونتي” في كتابه “العالم بعد الناتج المحلي الإجمالي”، والاقتصادي الباكستاني- البريطاني إحسان مسعود في كتابه “الناتج المحلي الإجمالي: أقوى معادلة في العالم ولماذا يجب أن تتغير الآن”، والكاتب الاقتصادي البريطاني “ديفيد بيلين” في كتابه “وهم النمو: ثروة ورفاهية الأمم”، والاقتصادي الباكستاني محبوب الحق الذي استنتج بعد سنوات من استخدام هذا المؤشر كيف أدى ذلك إلى خلق عدم المساواة في الدول الفقيرة بسبب التركيز على الأولويات المادية دون غيرها.
كان الانتقاد قائما – وما زال – على أن تقييم النجاح والإخفاق الاقتصادي من خلال مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في شكله الحالي غير دقيق وفي أحيان كثيرة مضلل، بسبب أنه يقيس القيمة السوقية للسلع والخدمات المنتجة ولكن يهمل مسألة الاستهلاك والتوزيع، كما أنه مؤشر لا يضع في الحسبان ما يعرف بالقطاع غير الرسمي في الاقتصاد، وأيضا لا يظهر مدى جودة التعليم و الصحة و الاستدامة بسبب اعتماده على التقديرات النقدية أكثر من أي شيء آخر، وهذا لا يظهر الصورة الفعلية للاقتصاد ولا ما وراء الأرقام التي تظهر أنها جيدة بينما ربما تخفي استنزاف لمصادر طبيعية أو تدمير بيئي أو خلق مشاكل اجتماعية.
لذلك قام العديد من علماء الاقتصاد ومن خلال مؤسسات سياسية وأكاديمية مرموقة إلى ابتكار مقاييس أعمق وأشمل، مثل مؤشر جودة الحياة (BLI)، ومقياس الفقر المتعدد الأبعاد (MPI)، ومقياس التنمية الإنساني (HDI)، وكلها مؤشرات متعددة المعايير والأبعاد، وكانت نيوزيلندا أول دولة لا تعتمد مؤشر الناتج المحلي الإجمالي – في عام 2019 حسب ما جاء على مجلة “التايم” الأمريكية – كمقياس رئيسي للنجاح الاقتصادي الذي عرّفته بمستوى الرفاهية وليس برقم الناتج المحلي الإجمالي.
تطور مؤشر الناتج المحلي الإجمالي في الغالب مسألة وقت، سيعاد فيه تقييم مكوناته الحالية واحتمالية إضافة مكونات جديدة بشكل أو بآخر في حسابه بشكل أكثر فاعلية وتقديم تعريف أكثر شمولية لمفهوم التقدم، وبما أن المشاحنات السياسية – المدعومة بالتنافس الأكاديمي بين الاقتصاديين لضمان التفوق الدولي – كانت السبب الرئيس في إيجاد هذا المؤشر واستمرارية استخدامه، فلا يستبعد أن تكون هي نفسها – التي لن تتوقف – وراء الدعوة لتطوير هذا المؤشر مستقبلا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال