الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعود أكثر الأخطاء الفادحة، التي يقترفها عالمنا العربي في عصرنا الحالي، إلى تقصير وسائل إعلامنا في توضيح صحة مواقفنا القانونية أمام اللوبيات العدائية الجاهلة أو المتجاهلة بحقوقنا النظامية. ففي الوقت الذي وصفت هذه اللوبيات المناوئة تجمع الدول المصدرة للنفط (أوبك+) بأنها منظمة احتكارية لا يحق لها التكاتف لتحديد كمية المعروض من النفط ورفع أسعاره أو تخفيضها في الأسواق العالمية، تجاهلت هذه اللوبيات دور هذا التجمع النظامي القائم طبقاً للقوانين الدولية والأحكام النظامية التالية:
أولاً: يعتمد تجمع (أوبك+) على التنظيم الدولي الحكومي المكون من أحد الأشكال القانونية الدولية الأربعة التالية:
ويتضح من هذه التعريفات أن تجمع (أوبك+) توفرت فيه العناصر الأربعة اللازمة لقيام منظمة دولية قانونية، تمثل كائناً قانونياً دولياً، وتتوافر فيه الإرادة الذاتية، ويضم أجهزة وفروع دائمة تمارس من خلالها هذه الإرادة، وله أهداف معينة يسعى لتحقيقها نظاماً على الصعيد الدولي.
ثانياً: لا يعتبر تجمع (أوبك+) احتكارياً لأنه، طبقاً لأحكام اتفاقية “الجات” في منظمة التجارة العالمية، لا يعتبر المؤثر الوحيد في أسواق النفط العالمية، فالدول المنتجة والمصدرة للبترول من غير الدول الأعضاء في هذا التجمع، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي، إضافةً للوكالة الدولية للطاقة، لها أدوار مؤثرة في سوق النفط من خلال الخطط والسياسات التي تضعها وتتبعها، والتي تقوم على ركائز متعددة أهمها تخفيض استهلاك الطاقة، وتكوين مخزون استراتيجي نفطي، والمحافظة على البيئة، وإعادة التوازن لسوق النفط الدولية. ويتم تنسيق سياسات الإنتاج بين دول تجمع (أوبك+) وعددها 13 دولة عضواً بالتعاون مع 10 دول أخرى منتجة ومصدرة للنفط غير أعضاء في هذا التجمع، لتثمر جهود جميع هذه الدول إلى التوصل للاتفاقيات المناسبة.
كما أن دول تجمع (أوبك+) لا يتبع التصنيف الدولي للتحالفات الاحتكارية “الكارتل”، المحدد في القانون الدولي القائم على وجود نظام رقابي دائم وصارم لمعاقبة المخالفين في دول “الكارتل”، مثل ما هو قائم في تحالفات الألماس، والبوكسيات، والسكر، والقمح، والمطاط، والنحاس، والشاي، واتفاقية الكاكاو الدولية، الأمر الذي ينفي صفة التحالف “الكارتل” في هذا تجمع دول (أوبك+). كما أن شروط “الكارتل” تتطلب السيطرة على حصة كبيرة من السوق تفوق 70%، حيث يسيطر “كارتل القصدير” على 90% من السوق العالمية، ويسيطر “كارتل البوكسايت” على 73% من أسواق البوكسايت العالمية، كما يسيطر “كارتل القهوة” على نحو 90% من سوق القهوة في العالم. أما حصة تجمع (أوبك+) السوقية، سواءً نظرنا إلى إنتاجها أو إلى صادراتها، فلم تحقق أكثر من 55% ولفترات قصيرة، وهذا ينفي عنها صفة “الكارتل” ولا تخضع للإدانة بالاحتكار في النظام الأميركي، الذي حدد نسبته بالحصة السوقية الكبيرة التي لا تقل عن 90%.
ثالثاً: تتمتع دول تجمع (أوبك+) بالسيادة المطلقة والدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وذلك طبقاً لقرارات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وآخرها القرار رقم 1803 (د-17) الصادر في 14 ديسمبر 1962، القاضي بمنح كل دولة السيادة المطلقة والدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية كركن أساسي من أركان حق تقرير المصير، واحترام هذا الحق المطلق لكل دولة في التصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية، وذلك وفقاً لمصلحة تنميتها القومية ورفاه شعب الدولة المعنية، وبما يتمشى مع التنقيب عن تلك الموارد وإنماؤها والتصرف فيها، وكذلك استيراد رأس المال الأجنبي اللازم لهذه الأغراض، مع القواعد والشروط التي ترى الشعوب والأمم بمطلق حريتها أنها ضرورية أو مستحسنة على صعيد الترخيص بتلك الأنشطة أو تقييدها أو حظرها. ويعتبر انتهاك حقوق الشعوب والأمم في السيادة على ثرواتها ومواردها الطبيعية منافياً لروح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه ومعرقلاً لإنماء التعاون الدولي وصيانة السلم.
رابعاً: اتهام دول تجمع (أوبك+) بأن أسعار النفط أعلى من “التكلفة الحدية” بكثير يتنافى مع أبسط المبادئ الاقتصادية، لأن “التكلفة الحدية” تنطبق على المواد المصنَّعة فقط، وليس على الموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن. لذا أقرت المادة 11 في اتفاقية “الجات” بمنظمة التجارة العالمية حظراً عاماً على القيود الكمية، سواء على واردات أو صادرات السلع المصنعة فقط وليس على الموارد الطبيعية. كما أن الفقرة2 من المادة 11، أقرت بأن أحكام هذه المادة لا تنطبق على القيود المؤقتة لمنع حدوث نقص حاد في المواد الغذائية، أو القيود اللازمة لتطبيق المعايير بالنسبة للسلع الصناعية والزراعية أو المنتجات السمكية. بالمقابل هناك عدد من الاستثناءات لهذه القاعدة العامة تضمنتها مختلف اتفاقات منظمة التجارة العالمية، مثل المواد 12، 18، 19، 20، و21 التي تحتوي على استثناءات للأسباب المنصوص عليها في هذه المواد، وخاصةً بما يتعلق بميزان المدفوعات، وإجراءات الحماية الوقائية الطارئة، أو لأسباب مثل حماية الصحة العامة، أو الأمن القومي. وإن الشرط الوحيد لتطبيق مثل هذه القيود الكمية هو إخطار جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وهذا ما تقوم به دول تجمع (أوبك+) بكامل الشفافية والمصداقية والاستشراف.
خامساً: بناءً على الوثائق القانونية الصادرة عن المنظمات الدولية، تقوم الدول المستوردة للنفط بفرض ضرائب باهظة على وارداتها من النفط، تفوق 49% في دول منظمة التعاون الاقتصادي، و51% في الدول الصناعية السبع الكبرى، وتقترب من 73% في دول الاتحاد الأوروبي، و51% في الهند و43% في كوريا الجنوبية، و38% في الصين. وهذه الضرائب لا تشمل الرسوم المفروضة على “هامش تكاليف الصناعة”، لترتفع قيمة هذه الضرائب والرسوم في العام الماضي إلى 346.5 مليار دولار في الدول الصناعية السبع، تفوق قيمة صادرات تجمع (أوبك+) إلى هذه الدول، التي لم تتجاوز 321.1 مليار دولار فقط في نفس العام. وهذا يعني أن متوسط ضريبة مجموعة الدول السبع الصناعية على النفط الخام المستورد تصل إلى 105.4 دولار للبرميل الواحد وتعادل نحو 240% من متوسط سعر بيع خام النفط خلال العام الماضي.
وبترتيب الدول الصناعية السبع بحسب الأعلى من حيث قيمة الضريبة على النفط المستورد حلت إيطاليا في الصدارة بضريبة ورسوم قدرها 156.7 دولار لكل برميل تستورده يعادل 3.6 مرات ضعف متوسط سعر بيع الخام خلال العام الماضي، تلتها بريطانيا بضريبة ورسوم قدرها 155.1 دولار للبرميل تعادل نحو 3.57 مرات ضعف سعر بيع النفط الخام، وجاءت فرنسا بـالترتيب الثالث بقيمة ضرائب ورسوم تساوي 148.5 دولار لكل برميل تعادل 3.4 مرات ضعف متوسط سعر بيع النفط الخام، تلتها ألمانيا بـقيمة ضرائب ورسوم تساوي 127.1 دولار لكل برميل تعادل 2.4 مرات سعر بيع النفط الخام، ثم اليابان بـقيمة 78.6 دولار من الضرائب ورسوم على كل برميل من النفط، وكندا 48 دولار، وأخرهم أمريكا بـقيمة ضرائب ورسوم تساوي 23.9 دولار لكل برميل مستورد من النفط.
على هذه الدول واللوبيات الجاهلة والمتجاهلة بالقوانين الدولية أن تتقيد بالاتفاقيات النظامية العالمية، التي صاغتها واعتمدتها في المنظمات الدولية، والتوقف عن اتهام تجمع (أوبك+) بالاحتكار وتقليص الإنتاج لرفع الأسعار. وعلى تجمع دول (أوبك+) أن تقوم فوراً بتفنيد مزاعم الدول المناوئة واللوبيات الجاهلة ودعوتها لضرورة تخفيض الضرائب والرسوم على وارداتها من النفط الخام للمحافظة على التوازن المطلوب في أسعاره أمام مواطنيهم في محطات الوقود.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال