الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المقالات الثلاث السابقة كانت عبارة تمهيدا لهذا المقال، حيث أشارت المقالات باختصار الى قانون جلاس ستيجال، وأزمة الرهن العقاري و إفلاس بنك ليمان والذي تسبب بالازمة الاقتصادية لعام 2008. خلال هذه الفترة، لا تكاد تخلوا الصحف العالمية عن اخبار الأزمات التي يمر بها بنك Credit Suiss، كريدت سويس، لدرجة أن البعض يشبه الازمة التي يمر بها البنك السويسري بأزمة إفلاس بنك ليمان. وهذا ما سيتم تسليط الضوء عليه في هذا المقال.
تأسس بنك كريدت سويس في عام 1856 من قبل ألفريد إيشر ، رائد السكك الحديدية السويسرية . ثم نما البنك ليصبح أحد أعمدة التمويل السويسري. حيث مول بناء نفق جوتهارد والذي يعد أطول و أعمق نفق للسكك الحديدية في العالم. وساهم في تمويل المشاريع التطويرية للشركات الصناعية الكبرى و شركات التأمين العملاقة ، بما في ذلك Swiss Life وشركة إعادة التأمين Swiss Re. لذلك، يعتبر البنك الذي يتخذ من زيورخ مقراً له، قوة اقتصادية على المسرح الدولي ، خاصةً منذ توليه إدارة بنك الاستثمار الأمريكي فيرست بوسطن في عام 1990. تنتشر فروع بنك كريديت سويس في حوالي 40 دولة، ويعمل به 51410 شخصًا حول العالم. يعتبر بنك كريدت سويس واحد من 30 بنكًا على مستوى العالم الذي يدخل في قائمة البنوك التي تعد اكبر من انها تنهار أو تفشل او تفلس. باعتقادي، ان قالب الاستعلاء وامتلاك القوة الخارقة على مواجهة التحديات والأزمات والتغلب عليها يفترض الا يُقحم في عالم التجارة و الاستثمار. مثلا، بنك ليمان كان من ضمن البنوك التي يرون ان افلاسها امر مستحيل، وهذا يعني، ثقة العاملين في ادارة البنك والمستثمرين بأن الدولة لن تتخلى عن البنك في أشد أزماته، وبالتالي ستقدم له الدعم. وهذا يكون بمثابة دعوة لرفع هامش المخاطرة في اتخاذ الكثير من القرارات وبناء الخطط و الاستراتيجيات المستقبلية.
لماذا يشبه الاعلام أزمة بنك كريدت سويس بنك ليمان؟ الحجر الاساس الذي يبنى عليه هذا التشبيه هو أن النظام المصرفي السويسري يسمح بأن يكون البنك تجاري واستثماري في ذات الوقت. وبالتالي، فإن الأصول والسيولة التي يملكها الذراع التجاري أو الاستثماري ليست منفصلة. علاوة على ذلك، يعاني النظام المصرفي السويسري بضعف في تطبيق قواعد الالتزام ومكافحة غسل الأموال، بسبب نظام السرية المصرفية القوي الذي يجعل المتورطين في قضايا الفساد وجرائم المخدرات والاتجار بالبشر بمأمن عن المسائلة. لذلك، يعد نظام السرية في المصارف السويسرية، سببا إضافيا يرفع من مستوى خطر تكرار ازمة ليمان مرة اخرى، ان لم تكن اليوم، فعلى الأرجح في المستقبل.
خلال السنوات الماضية، تتالت على البنك سلسلة من الفضائح، التي أنكرها في بادئ الأمر، ولكنها تأكدت بعد التحقيقات. مثلا، في عام 2014، أقر البنك بأنه مذنب بمساعدة الأميركيين في تقديم إقرارات ضريبية مزيفة ووافق على دفع 2.6 مليار دولار غرامات وتعويضات. والعام الماضي، وافق على دفع 475 مليون دولار لدوره في مخطط رشوة في موزمبيق في قضية الفساد الشهيرة والمسماة بسندات التونة. كما اضطرت الشركة إلى استبدال كل من الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة خلال العامين الماضيين بسبب تورطها في انهيار شركة تمويل سلسلة التوريد “غرينسيل” وكذلك صندوق التحوط الأميركي “أرتيغوس كابيتال مانيجمنت”. والان، في سنة 2022، تم تسريب عدد هائل من المعلومات التي تعلن عن الثروات المخفية للعملاء المتورطين في التعذيب والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والفساد والجرائم الخطيرة الأخرى. حيث تم الكشف عن 30 ألف عميل من عملاء كريديت سويس في جميع أنحاء العالم متورطين في جرائم مالية مختلفة. كما تم الكشف عن مبالغ مشبوهة تتجاوز الـ 100 مليار فرنك سويسري (80 مليار جنيه إسترليني) في واحدة من أشهر المؤسسات المالية في سويسرا. كما يشير التسريب إلى إخفاقات واسعة النطاق في بذل العناية الواجبة من قبل كريديت سويس ، على الرغم من التعهدات المتكررة على مدى عقود للتخلص من العملاء المشكوك فيهم والأموال غير المشروعة.
على الرغم من تشديد الكثير من المتخصصين سواء في القانون او الاقتصاد ان الظروف التي أدت الى إفلاس بنك ليمان مختلفة عن الظروف التي تحيط ببنك كريديت سويس، الا ان الاساس ليس فقط في الظروف، وانما بانهيار عدد من الأركان التي تدعم بقاء البنك. أهم هذه الاركان هي ثقة العملاء، وهذا الأمر يعاني منه بنك سويس نتيجة الفضائح المتتالية خلال سنوات طويلة. كذلك، الذي ادى الى انهيار بنك ليمان هو ارتفاع هامش المخاطرة من خلال منح قروض عقارية مرتفعة المخاطر، وهذا ما يعانية البنك السويسري الان. على الرغم من نقص المعلومات التي أملكها، ولكن تحليلا لما هو منشور في وسائل الإعلام، فإن استقبال عملاء مصنفين انهم عملاء ذو مخاطر عالية جدا. و هذا يعني، ان السيولة التي يملكها البنك من ذو المخاطر العالية، قد يتم فقدانها، مما يدخل البنك في ازمة مالية. بالاضافة، الى ان إعادة هيكلة البنك من عام 2015 الى عام 2020، لم تكن ذا فائدة تذكر، حيث ان البنك لازال غير ملتزم بتطبيق قواعد الإفصاح، ولازال يتذرع بمبدأ الخصوصية. لذلك، خلال الأسبوعين الماضيين تم الاعلان عن اعادة هيكلة البنك من جديد. السؤال، هل يمكن ان يعلن بنك كريدت سويس إفلاسه مثل بنك ليمان؟ نعم في حال عدم الاهتمام المحافظة على مستوى الثقة في البنك واستمرار انخراطهم في أعمال ذات مخاطر عالية. حيث ان العلاقة عكسية بين المخاطر والثقة، كلما ازداد هامش المخاطر، كلما زادت احتمالية الدخول في أزمات، والذي يترتب عليه انخفاض في معدل الثقة، وانخفاض القيمة السوقية للسهم ..الخ. والعكس صحيح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال