الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استطاع ايلون مسك أن يستحوذ على تويتر، وكانت أحد أهم أهدافه التي أفصح عنها هو حرية التعبير بسبب عدم رضاه عن سياسات الحجب المتبعة في شركة تويتر. لذا من المتوقع أن تكون أولى خطط الأعمال هي تعديل السياسات والضوابط التي يعد بأن تجعل من تويتر “طائرا حرا” على حد قوله. هذه الضوابط والشروط والاحكام مهما حاول أن تبدو رائعة إلا أنها في النهاية هي قوانين ذاتية تخضع لتعريف إدارة مجلس المنصة إن لم يكن هو وحده فقط، وما على البقية من المستخدمين إلا الامتثال لهذه الشروط والأحكام والعمل بموجبها ان أرادوا البقاء. هذا هو نموذج عمل جميع منصات التواصل الاجتماعي وطبيعة تصميم المعمارية التقنية التي بنيت عليها، اذ لا تستأثر ادارة المنصة بسياسة الاستخدام فحسب بل حتى بالاحتفاظ ببيانات العملاء لديها.
فهل تقنيا لا توجد حلول اخرى ؟ بالتاكيد يوجد، فمستقبل التقنيات الرقمية سيخلق عالماً مختلفاً تماماً. سأحاول هنا أن أٌلقي بعض الضوء على الجانب التقني واتجاهات التطور الرقمي في هذا المجال وكيف أن التقنية سيصبح لها دورٌ في تحقيق هذا الهدف و بمعزل عن تحكم أي جهة مركزية.
عند استخدامنا لمنصات الشبكات الاجتماعية مثل تويتر او فيسبوك او غيرها فإننا نقوم بالتعامل مع جهة مركزية نمنحها الثقة للاحتفاظ ببياناتنا وكذلك تمتثل للقوانين والسياسات التي تضعها وبدون حفظ حقوق للأفكار المطروحة!
هذه طبيعة بناء شبكات التواصل الاجتماعي في وقتنا الحاضر فهي لا تسمح للمستخدمين بالتحكم بشكل مطلق في بياناتهم الشخصية او ما ينشرون من معلومات لأنها مركزية التصميم. لذا منذ بضع سنوات بدأ الاهتمام والبحث في إنشاء شبكات تواصل لا مركزية بحيث يستطيع كل مستخدم إنشاء شبكته الخاصة به والتحكم الكامل بها والتواصل مع الآخرين. هذه الشبكات اللامركزية تعيد التحكم للمستخدم نفسه وليس لشركة ما.
ابرز امثلة على هذه الشبكات: منصة Mastodon الذي يحاكي التويتر ومنصة PeerTube البديل لـ يوتيوب. في هذه الشبكات ينشئ المستخدم منصته على خادم (server) ثم يقوم بنشر ما يريد ويشاهده الجميع ويستطيع أن يكون مجتمع خاص به من المتابعين.
توفر هذه الشبكات جميع خواص شبكات التواصل التقليدية مثل المتابعة (Follow) والتعليق (Comment) والاعجاب (Like) واعادة النشر(Retweet) ولكن الجديد فيها أيضا أنها تتميز بخاصية فريدة وهي الخاصية الاتحادية وتسمى (Federation) اي انه بمقدور اي مستخدم أن يتواصل مع أي مستخدم آخر حتى لو كانا لا يتبعان لنفس منصة الشبكة الاجتماعية.. على سبيل المثال: تخيّل، مستخدم في تويتر يستطيع التخاطب مع مستخدم في انستقرام بدون أن يكون له حساب على انستقرام !! هذا المفهوم لشبكات التواصل الاجتماعي اللامركزية يطلق عليه الفديڤيرس (Fediverse) وهو مأخوذ من كلمتي Federation و Universe اي بمعنى “عالم اتحادي” حيث يصبح لكل مستخدم عالم ممتد لا يعرف معنى للحدود.
آلية تطبيق هذا النظام هو باستخدام بروتوكول خاص يسمى (ActivityPub) وهو يشبه بروتوكول الايميل الذي يسمح مثلا لمستخدم hotmail من ارسال بريد الكتروني الى مستخدم gmail. فأي شبكة تعتمد هذا البروتوكول يستطيع مستخدموها التواصل مع ايٍ من كان في عالم الـ Fediverse ولا يتطلب ذلك سوى إنشاء وإدارة خادم (server) مع تكلفة تشغيلية مصاحبة وتدفع بشكل رسوم رمزية لكل مشاركة او تعليق او غيره يتم تحصيلها بالعملات المشفرة بتحويل مباشر. حاليا معظم التكاليف تغطى من تبرعات المتابعين المتحمسين لهذا النوع من شبكات التواصل، والتي اصبحت اعدادهم في ازدياد يوم بعد يوم حيث يتجاوز مشتركي Mastodon أكثر من 2 مليون مشترك.
لذا فإن حرية الاستخدام و سرية البيانات وحقوق ملكية المعلومات لا يمكن “رقميا” أن تحققها شبكات التواصل الاجتماعية القائمة، بينما الشبكات اللامركزية ستكون بديل وخيار مغري في المستقبل لمن يرغب في الحصول على هذه الامتيازات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال