الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هذا التساؤل هو أحد الأسئلة التي حاولت أن تجيب عنه وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في السنوات الأخيرة وتضع له الحلول المناسبة. بل انتقلت الوزارة من سؤال “هل” إلى “كيف”، حيث وضعت الكيفية والآلية العملية التي تحقق ذلك. فقامت الوزارة بإنشاء وكالة خاصة بالتطوير العقاري والتي تضم تحتها عدة برامج مخصصة لدعم وتمكين المطورين العقاريين ورفع كفاءتهم، ومن بينهما برنامج تم إنشاءه قبل سنة تقريباً تحت مسمى “برنامج تحويل المقاولين الى مطورين عقاريين”. ومؤخراً احتفلت الوزارة بالملتقى الأول لبرامج التحول والتمكين للمطورين العقاريين” الذي تم تخصصيه لتكريم المطورين العقاريين المشاركين في برامج “التحويل والتمكين” الهادفة لانتقال المقاولين من قطاع المقاولات إلى قطاع التطوير العقاري.
من الملاحظ أن الوزارة قامت في السنوات الأخيرة بإعادة هيكلة كاملة لها وغيرت طريقة عملها وبرامجها ومستهدفاتها عن الهيكلة السابقة. وأصبح لديها التزامات كبيرة لوضع حلول متعددة ومنوعة لمشكلة الإسكان التي تعتبر احتياج أساسي لكل إنسان. لكن لتطبيق هذه الحلول على أرض الواقع لابد أن يكون هناك أدوات تنفيذية لها، ومن أهم هذه الأدوات هو التطوير العقاري. والحقيقة أن السوق العقاري السعودي فيه ضعف كبير في هذا الجانب حيث أن المطورين العقاريين “الحقيقين” قلة قليلة والبقية إما أشباه مطورين – وهو ماخذ مقلب ويظن نفسه مطور عقاري قد الدنيا – أو الغالبية هم مقاولين تقليديين وغالب شغلهم تقليد للغير بمعنى قص ولصق! حتى وإن كان بعضهم لديه نشاط عقاري، لكنه يرتكز بالدرجة الأولى على مجال الوساطة العقارية. لذا كان على الوزارة أن تفكر في كيفية زيادة عدد المطورين العقاريين خصوصاً في القطاع السكني لمساندتها في تنفيذ برامجها، وكان من بينها برنامج تحويل المقاولين الى مطورين عقاريين، لكن هل يمكن ذلك بالفعل؟
إذا أردنا معرفة العلاقة بين المطور العقاري والمقاول فهي علاقة تكاملية، حيث يكمل كلاً منهما الآخر. وإن كان فعلياً حاجة المطور العقاري للمقاول أكثر من حاجة المقاول للمطور العقاري. حيث يمكن للمقاول التشييد والبناء للمشاريع العقارية بدون وجود المطور عقاري، كما هو الحاصل في معظم الحالات السابقة. لكن بالرغم من تلك العلاقة التكاملية إلا أن الوظائف والأهداف وآليات العمل وطريقة التفكير وحتى “العقلية” العملية – إن صح هذا التعبير – تختلف بينمها إلى درجة التناقض في بعض الأمور خصوصاً في الاهتمامات وترتيب الأولويات.
فالمطور العقاري يقوم بعدة أنشطة ومهام في سلسلة تطوير المشروع، ومن الحلقات المهمة في هذه السلسلة هو المقاول المنفذ للمشروع، في حين يكون تركيز المطور العقاري وحرصه على تطوير مشاريع نوعية فيها إضافات مميزة ذات جودة لتسد حاجة وطلب حقيقي في السوق العقاري وتنافس مشاريع المطورين الآخرين. لذا يكون اهتمام المطور العقاري على الجودة – بكل ما تعنيه الجودة من معاني عديدة – حتى لو كان لها أثر على التكلفة والوقت. بينما ينصب تركيز المقاول بالدرجة الأولى على التكلفة ثم الوقت وأخيراً الجودة وهذه نقطة جوهرية في الاختلاف لحد التناقض بين المطور العقاري والمقاول. ويمكن الاستعانة بمثلث إدارة المشاريع (الجودة – التكلفة – الوقت) للمقارنة بينمها وبنسب مقترحة – قدحة من رأسي وليست قائمة على دراسة دقيقة – فلو افترضنا أن تركيز واهتمام المطور العقاري بالجودة بالدرجة الأولى سيكون بنسبة ٤٥٪ والتكلفة ٣٥٪ والوقت ٢٠٪، نجد أن المقاول سيكون تركيزه واهتمامه على التكلفة أولاً بنسبة ٤٥٪ والوقت ٣٥٪ والجودة ٢٠٪. وفي هذه الحالة أصبح الهرم مقلوباً ومتناقضاً بين المطور العقاري والمقاول، حيث الجودة في الأعلى بالنسبة للمطور العقاري وفي الأسفل بالنسبة للمقاول.
لكن تركيز المقاول على التكلفة والوقت على حساب الجودة ليس معناه أنه سيبني مشاريع عقارية سيئة ومغشوشة في البناء، لأن التشييد والبناء لجميع المشاريع سيقوم بها المقاول ولن يبني المطور العقاري بنفسه ولو طوبة واحدة. بل المقصود بأنها ستكون بجودة أقل من المطور العقاري من ناحية نوعية وطبيعة المشروع ومكوناته وكفاءة التصميم ومواد التشطيب وتحقيق المشروع لمتطلبات العملاء المستهدفين واحتياجات السوق. لكن الذي جعل المقاول يركز على التكلفة والوقت على حساب الجودة؛ لأنه واقع بين مطرقة التكاليف وسندان الوقت. فتقليل التكاليف هي التي ستحقق له زيادة في الربحية، وأيضاً الاهتمام بالوقت وسرعة الإنجاز والتزامه بالجدول الزمني تمنعه من الوقوع في غرامات التأخير. لذا تركيز المقاول على تقليل التكاليف ليس عيباً فيه، بل طبيعة العقلية العملية التي تكونت لديه بسبب طريقة عمل المقاولات؛ القائم على نظام “المناقصات”، حيث لن يفوز المقاول في أي مناقصة إذا لم يكن الأقل سعراً.
ومع ذلك ربما تنجح الجهود التي تبذلها الوزارة في برنامج “تحويل المقاولين الى مطورين عقاريين” لكن قد يكون ذلك النجاح محصوراً في المشاريع التابعة لها. لأن كثير من الوظائف والمهام التي من المفترض أن يقوم بها المطور العقاري مسهلة وميسرة من قبل الوزارة. فالدراسات ومعرفة الاحتياج وحجم الطلب وطبيعة ونوعية المشاريع والتصاميم حسب احتياجات العملاء المستهدفين والتمويل والذي يكون في الغالب حجر عثرة في المشاريع العقارية جميعها متوفرة، بل حتى أنشطة التسويق والمبيعات ستكون بأقل جهد ممكن. ولم يتبقى أمام المطور العقاري أو المقاول المُطّور إلا التنفيذ والقيام بالإجراءات المطلوبة من الوزارة وبعض الأنشطة الإدارية والتنسيقية الأخرى. ولا أقلل من أهميتها لكنها فعلياً تقارب أعمال المقاولات مع بعض مهام التطوير العقاري بشكل مبسط.
وحيث تعاونت شخصياً مع عدد من المقاولين الذي لديهم رغبة مبدئية في التحول إلى مطورين عقاريين، ووجدت صعوبة في تفهمهم وقبولهم واستيعابهم للمهام والأنشطة التي يقوم بها المطور العقاري. لذا يبقى التساؤل قائماً والذي ينبغي أن يجيب عليه هو المقاول نفسه. ولابد أن يكون لديه الرغبة الحقيقية والقدرة في التحول الكامل إلى مطور عقاري. وأن يبتعد عن ممارسة نشاط المقاولات بنفسه ويسنده إلى مقاولين آخرين غيره، لأن المطور العقاري الحقيقي لا يقوم بجميع المهام والأنشطة بنفسه. كما ينبغي عليه أيضاً أن يطور نفسه ويغير طريقة تفكيره وعقليته العملية السابقة إلى ما تتطلبه مهنة التطوير العقاري الحقيقية، حتى يضمن له النجاح والاستدامة في مجاله الجديد. لكن الذي سيثبت صحة ذلك التحول في المستقبل هو نجاحه في إنجاز مشاريع عقارية نوعية ومميزة يحتاجها السوق، وتكون منافس حقيقي لمشاريع المطورين العقاريين الآخرين لكنها ليست تابعة للوزارة ولا تحت مظلتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال