الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التقيت قبل أيام بأخٍ عربي بلغ من العمر عتياً عاد للتو من زيارة لبلده الذي يعج بالفوضى والدمار والخراب. تجاذبت معه أطراف الحديث حول الأوضاع المعيشية في بلاده والواقع على الأرض دون الخوض في السياسة لا من قريبٍ ولا من بعيد. فاجأني الرجل بحديثه حول استمرارية الحياة هناك رغم كل المشكلات القائمة من انقطاع في الكهرباء وسوء في خدمة الإنترنت ما دفعني لاستيقافه متعجباً “أراك تتحدث عن كماليات وربما ترف قياساً على الوضع الراهن ببلدك حسب ما يردنا عبر نشرات الأخبار!”، علّق: “يا أخي، إن كنت تقصد الغذاء فهو متوفر وبكثرة، أما الإعلام فهو يقتات على التهويل والمبالغة“.
هذا الشيخ أشعل فضولي لأسأله عن مصدر هذه المؤونة من الغذاء لكل هؤلاء البشر إن كانت منظمات إنسانية أو غيرها فأعطاني ضالة المؤمن وكشف ستار السنين عن حكمته وإن كانت بسيطة اللفظ وسهلة الفهم إلا أنها تحمل عمق المعنى الذي يغوص في أعقد نظريات الاقتصاد.
يقول الشيخ أن بلاده لا تكاد بها أسرة تخلو من فردٍ مهاجر إما في الخليج أو أوروبا أو أمريكا يسهم بتحويلاته الشهرية في توفير كامل احتياجات بقية الأسرة وأن حد الكفاف الشهري لأسرة من سبعة أفراد هناك يكون بحدود 300 دولار أمريكي في الشهر.
الحكمة يا سيدي أن الشيخ يتحدث ضمنياً عن تدهور أسعار الصرف لعملة بلاده المحلية ما يخلق غلاءً في المعيشة لا يحد من خطره إلا دخول العملة الصعبة والتي بدورها تنعش الحركة الاقتصادية وتحرّك السيولة في الداخل بل وتحفظ القوة الشرائية للعملة المحلية.
الحكمة يا سيّدي أن الشيخ أشار إلى مبلغ لا يتجاوز ١١٢٥ ريالاً سعودياً يكفي شهرياً لكسوة وإطعام سبعة أفراد مع ربطهم بالإنترنت، فكيف لهذا المبلغ الذي يزيد قليلاً عن مكافأة الطالب الجامعي بالمملكة (في التخصصات العلمية) أن يوفر كل هذه الحياة؟
نعم، الشيخ يبسط لنا نظرية تعادل القوة الشرائية وإن لم يسمع بها في حياته فالألف ريال قد تفعل هناك سبعة أضعاف ما تفعله هنا، لكن من سيجلبها؟ الفرد المهاجر.
ختاماً، انتشر مقطع فيديو قبل فترة لزيارة مواطن سعودي لمكفوله في بلاده بشرق آسيا وكانت صدمة المشاهدين أن المكفول الذي يعمل سباكاً في المملكة يعيش في قصرٍ فارهٍ مزخرف بالرخام والزجاج المعشّق تطوّقه الخضرة لو بني في المملكة لما قلت تكلفته عن العشرين مليون ريالاً ويقول في الفيديو أنه عائد قريباً للمملكة بعد انتهاء إجازته فلم سيعود؟ لتغطية مصاريف تشغيل القصر. هو تاجر إن استمر كمهاجر ويستمر العالم مليئاً بالفرص حتى مع أبشع الأزمات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال