الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال السنوات الماضية شهد عالم الأعمال نمو غير مسبوق بالاستثمار في قطاع الشركات الناشئة متسارعة النمو أو ما تعرف بشركات النمو، وأصبحنا نرى أرقام غير واقعية في تقييم الشركات ونشوء الكثير من صناديق الاستثمار الجريء والتي تتسابق في تمويل وشراء أحلام رواد الأعمال، وبلا شك أن لهذه الشركات دور هام في بناء الاقتصاد وتوفير الوظائف وجلب العملات الصعبة والتأثير المباشر على حياة الناس وتسهيلها، ولكن في هذا المقال سأسلط الضوء على الجانب المظلم من هذا الاستثمار والذي يجهله الكثير من المستثمرين المبتدئين والذين يستخدمون مغالطة الناجين ويسلطون الضوء فقط على الشركات الناجحة متجاهلين الكثير من قصص الفشل التي مرت بها شركات النمو ودفع ثمنها المستثمرون غالياً.
لقد تباطأت موجة الاستثمار في شركات النمو خلال السنوات الماضية بعد إفلاس الكثير منها في فترة قصيرة، وهذا الإفلاس جعل المستثمرين يبتكرون آليات متقدمة لاختبار جدوى وجدية رواد الأعمال في إنشاء شركات مستدامة النمو ووضعهم على المحك حتى يتم اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه.
شركات وادي السيليكون هي من بدأت نموذج شركات النمو في قطاع الأعمال، وكانت التقنية هي المحرك الأساسي لها خصوصاً بعد تحقيق نجاحات فتحت شهية المستثمرين، تلك الشركات المليارية التقييم وصفرية الأصول وسلبية الأرباح تقوم على مبدأ جميع الأموال من فترة لأخرى بغرض النمو دون تحقيق أي ربح ويسمى بعالم ريادة الأعمال “معدل الحرق” burning rate، وهو مقدار المبالغ المدفوعة مقابل النمو حيث أن المعيار الأساسي لتقييم تلك الشركات ليس العائد على الاستثمار “كأموال” بل العائد على الاستثمار كنمو في “عدد المستخدمين”، لذلك يركز رواد الأعمال على التسويق والترويج وعمل الخصومات التي تؤدي لحرق المزيد من الأموال وتحقيق عامل الجذب للحصول على المزيد من المستخدمين، أرقام النمو هي ما تبرر لرائد الأعمال المبلغ المطلوب جمعه وضخه وحرقه في شركته بغض النظر عن جدوى الخدمة وحاجة الناس لها واستدامة الطلب لها.
ولعلي في هذه المقالة أتحدث بلسان الخبير الذي عايش هذا النوع من الأعمال منذ بدايته وشهد الكثير من الإخفاقات والقليل من النجاحات، إن الاستثمار في الشركات الناشئة لا يقل خطراً عن الاستثمار في العملات الرقمية، قيمة شركات النمو تتراجع بشكل حاد بمجرد توقف أو تباطؤ النمو في أي لحظة على عكس الشركات التقليدية التي تمتلك أصول ومنتجات ذات قيمة وعائد مستمر ملموس ويمكن تقيمه.
بعد كورونا والجنون الذي أصاب المستثمرين، رأينا تراجع حاد لشركات النمو لأن تقيمها مبني على عنصر متغير ومزاجي، فلقد هبطت قيمة منصة نيتفليكس مثلاً بما يقرب من 20% في ساعات التداول الأولى بعد أن أظهر تقرير نتائج الأعمال الفصلية للشركة نمواً أقل من المتوقع في عدد المشتركين، كما هبطت شركة ميتا “فيسبوك سابقاً” بما يقدر ب 75% لدرجة اعتبارها الأسوأ أداءً في S&P 500 في عام 2022، تواجه شركات النمو عاماً صعباً في ضوء التغيرات الاقتصادية والتضخم والذي أظهر حقيقة خطر هذا النوع من الاستثمارات.
في نهاية المطاف، شركات النمو لها الفضل بعد الله في تحسين حياة الناس وابتكار نماذج عمل أضافت قيمة كبيرة لقطاع الأعمال، ولكن الاستثمار فيها مخاطرة كبيرة يجب مراعاته وأخذه بعين الاعتبار وأن يكون بواقعية مدروسة حتى لا تصبح تلك الشركات عبأً على الاقتصاد بدلاً أن تكون رافداً من روافد النمو والازدهار والرفاهية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال