الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الهدف الرئيسي من إنشاء المخزون النقدي هو توليد المرونة المالية في الاقتصاد لذلك فوجود الكاش او النقد مهم جدا. من ناحية أخرى ، تكمن اهمية الاحتفاظ بالنقد في تقليل تكاليف المعاملات المالية للتفاعل مع سوق رأس المال الخارجي ، وفي نفس الوقت يمكن استخدامه كمخزن مالي متاح للشركات في أوقات صعوبة الحصول على الائتمان. ولكن، وعلى الرغم من كل هذه المزايا، إلا ان النقد ايضا يستخدم بشكل يتعارض مع المصلحة العامة من خلال ارتكاب جرائم الفساد.
وهذا ما يسمى في عالم الأعمال بالسلوك الانتهازي للاحتياطات النقدية. وهذا السلوك الانتهازي نستطيع ان نراه فيما تم اعلانه خلال الشهر المنصرم بشأن صدور أمر ملكي بإحالة أحد المتنفذين للمحاكمة بسبب جرائم متنوعة ارتكبها ذات علاقة بالفساد من ضمنها الاختلاس و الرشوة وغسل الأموال.
كما انه في هذا الاسبوع ايضا، أعلنت هيئة الرقابة و مكافحة الفساد عن القبض على أحد القضاة أثناء استلامه لرشوة بمبلغ ٥٠٠ ألف ريال سعودي من اصل مبلغ ٤ مليون ريال، من أجل إصدار حكم مكتسب القطعية. وهذا يثير مسألة مهمة جدا فيما يتعلق بالسيطرة على جرائم الفساد، خصوصا اذا كان الامر متعلق بمبادلة النقد او الشيكات يدا بيد من اجل تحقيق مصلحة معينة يريدها احد الاطراف.
ويدخل بها ايضا جرائم اختلاس الأموال. مثل قضية حدثت في استراليا، عندما حققت اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد في مزاعم بأن موظفين في مستشفى عام، سرقوا مبالغ نقدية بلغ مجموعها أكثر من 130 ألف دولار في مناسبات متعددة. تمت سرقة النقود من الهواتف التي تعمل بقطع النقود المعدنية ، بالإضافة إلى مناطق الخدمات مثل الكافتيريا ورعاية الأطفال وتعليم المرضى.
تم تحديد سرقة النقود من قبل التدقيق الداخلي ، وتم فصل الموظفين ومحاكمتهم لاحقًا. لذلك، فتبادل الكاش أمر جوهري في ارتكاب جرائم الفساد. لذلك، لابد من مناقشة هذه المسألة الدقيقة من أجل العمل على وضع قيود تسمح بالسيطرة عليه من أجل استخدامه بشكل مشروع.
اولا، لابد من توضيح الفرق بين تبادل النقد بين المتورطين في جريمة فساد، وبين جريمة غسل الأموال. فنحن عندما نتكلم عن انتقال النقد او الكاش، فهنا الاموال لازالت تعتبر اموالا غير شرعية، وهي تعني اننا لازلنا في المرحلة الاولى من جرائم الفساد. أما المرحلة الثانية المرتبطة بجرائم الفساد الاداري والمالي، هي مرحلة إخفاء آثار جريمة الفساد والمتمثل في استخدام النقد عن طريق إدخاله في مشاريع مختلفة من اجل اضفاء صفة الشرعية عليه. وبالتالي، استلام الرشوة يعني أن المال هنا يعتبر غير مشروع. في حين أخذ مال الرشوة واضافته على سبيل المثال في القوائم المالية لمبيعات وهمية لمشروع ما، فهنا يعني أن مال الرشوة تمت إضفاء صفة الشرعية عليه.
ثانيا، عملية تتبع النقد او الكاش، ليست بالعملية السهلة ولكنها ليست بالمستحيلة. مثلا في القضية السابقة المتعلقة بالمستشفى الأسترالي. كانت هذه القضية واحدة من مجموعة قضايا مشابهة يتم فيها استغلال النقد للمصلحة الخاصة للمسؤولين عنه. لذلك تم وضع العديد من الدراسات للسيطرة على النقد في المستشفيات العامة في استراليا. تم تحديد أهم الأسباب الداعية لظهور مشاكل الفساد، من ضمنها، عدم التصريح بأنشطة جمع الأموال وعدم وجود نظام واضح يحدد طريقة تحصيل وجمع هذه الأموال.
كما أنه تم تسهيل فرص التلاعب وارتكاب التجاوزات المفضية لجرائم الفساد بسبب نقاط الضعف الإجرائية ، مثل عدم إصدار الإيصالات، وإصدار إيصالات غير رسمية أو بيع التذاكر غير المرقمة ، واستخدام موارد المستشفى دون إذن أو دفع، السماح بدفع المستحقات نقدا للمستفيدين. قبول أو طلب المال أو المنفعة لتقديم سلعة أو خدمة لطرف ثالث ، تضخيم قيمة سلعة / خدمة بشكل مصطنع لاختلاس الأموال الإضافية .. الخ. هذه بعض من الفجوات التي تم تشخيصها والتي كانت سبب لسوء الخدمة المقدمة للمستفيدين و ضعف ميزانية المستشفيات. كان من احد الخيارات لتقليل جرائم الفساد المالي، هي التركيز على إدارة المخاطر المتعلقة بجمع الأموال من خلال إعطاء المسؤولية عن هذه المهمة لموظفي الإدارة المالية الذين هم على دراية ببروتوكولات التعامل مع النقد وحفظ السجلات المالية. وفي حال كان هناك ضعف في الامكانيات التقنية او البشرية للإدارة المالية، فلابد من تنمية قدرات العاملين في الادارة المالية وفرض رقابة خارجية عليها أيضا لضمان عدم وقوع التواطؤ، وتزويد الادارة بالتقنيات اللازمة.
كما أن الحلول الاخرى التي وضعتها الحكومة الاسترالية لمكافحة الفساد في المستشفيات العامة هي وضع لجان متخصصة لتقييم التناسب بين قيمة السلعة الحقيقية وبين السعر المكتوب في الإيصالات. اعتماد طريقة مركزية لمعالجة النقد وتخزين، و تأمين آليات للتحكم في الوصول إلى النقد ونقله، تطوير إجراءات إصدار الإيصالات و تسوية نقدية منتظمة لأغراض الرقابة والتدقيق وغيرها من الحلول التي ساهمت بشكل فعال في رفع جودة المستشفيات العامة الاسترالية.
هنا نأتي الى نقطة مهمة جدا، الا وهي، كيف يمكن التحكم بالنقد الذي يتم سحبه من الحساب البنكي للعميل، خصوصا المبالغ الكبيرة.
فالسيطرة على النقد المخصص لمؤسسة معينة اسهل بكثير من السيطرة على النقد المملوك للأفراد. مثلا، في قضية الرشوة للقاضي، تم تسليمه نصف مليون ريال، بغض النظر هل تم تسليمها له كاش او شيك. فهنا لابد من وضع اجراءات من اجل السيطرة على هذا النوع من القضايا لأنها مسألة دقيقة يجب أن يتم معالجتها بحذر بشكل لا تتعارض فيها مع انظمة الخصوصية.
وهذا لايكون الا عن طريق تعاون المؤسسات المختصة تعاونا ايجابيا بدراسة الحالات عن كثب و وضع مؤشرات لقياس نسبة المخاطر وطرق علاجها وفقا لمعدل الخطر لكل حالة. بالطبع لا نستطيع منع جرائم الفساد بشكل كامل، ولكن لابد من العمل بالتنسيق مع المختصين والجهات المختصة بوضع استراتيجية لتبادل النقد وصرفه بأعمال مشروعة قدر الإمكان. حيث ان مكافحة الفساد لست فقط عملية القبض على الفاسدين، وإنما تشمل الوقاية من وقوع جرائم الفساد وتقليلها قدر الإمكان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال