الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشأت هيئة السوق المالية على إثر استحداث نظام السوق المالية ٢٠٠٣ كجهة يناط بها مهام تشريعية ورقابية تتمثل في سن الأنظمة والقواعد المنظمة للسوق المالية، بالإضافة إلى مهامها الرقابية في الإشراف على مشاركي السوق المالية. ورغم أن تاريخ ٢٠٠٣ يعد تاريخ حديث نسبيا؛ إلا أنه يكشف حقيقة أن استحداث جهات حكومية مستقلة في الإشراف والتشريع للسوق المالية يعد أمرا حديثا في جميع دول العالم، كما أن شرعيتها في التدخل في الأسوق المالية يعد من أكثر الأمور إثارة للجدل وذلك بعد أن كانت الأسواق المالية خالية من أي تدخل حكومي لعقود طويلة.
مهام الجهات الحكومية في التشريع والرقابة في السوق المالية يطلق عليها ” التنظيم المالي” والتي تتمثل: أولا في سن القواعد المنظمة لأداء مؤسسات السوق المالية. ثانيا القواعد التي تضمن سلامة المؤسسات واستقرار النظام والسلوك العام للسوق. ثالثا قواعد الرقابة والذي قد يكون في شكل رقابة ذاتية من إدارة السوق ذاتها أو رقابة جهة حكومية مستقلة خاصة بالسوق المالية ” كهيئة السوق المالية في المملكة” أو رقابة حكومية عامة. رابعا سن القواعد الخاصة بحماية المتداولين. هذه الأهداف تتفاوت من حيث الشدة بناء على سياسة الدولة العامة وأهدافها المتعلقة بدور السوق المالية في اقتصادها. فبعض الدول تستهدف سوق قوي خال من الأزمات؛ وبالتالي تضع اشتراطات ادراج تميل إلى الشدة من حيث اشتراطات القيمة السوقية للشركات ونسبة الطرح العام وعمر الشركات قبل أن تتمكن من الطرح في السوق وذلك من أجل ألا يكون السوق مهددا بوجود شركات ناشئة أو شركات قد تضر بمساهميها. ومن جانب آخر تختلف الدول في الدور الذي يجب أن تمثله السوق المالية في الاقتصاد والذي يمكن تبيانه في استهداف فتح السوق أمام المستثمرين الدوليين للتداول في السوق المحلية وعدم قصرها على المستثمرين المحليين. كما يظهر في استهداف زيادة عدد الشركات المدرجة وحجم السوق المالية مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي.
وفي المملكة العربية السعودية أحد برامج رؤية ٢٠٣٠ برنامج تطوير القطاع المالي، الذي يعد نقطة تحول في توجه الدولة نحو السوق المالية ودورها في الاقتصاد الوطني. تتمثل أهداف البرنامج في جعل السوق المالية السعودية من ضمن أقوى عشرة أسواق عالمية. كما تتمثل في تعزيز دور السوق المالية كممول للقطاع الخاص، بالإضافة إلى زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية؛ وبالتالي زيادة القيمة السوقية للسوق ومن ثم زيادة نسبته في الناتج المحلي الإجمالي.
هذا التوجه أدى إلى عدد من التغيرات في السوق المالية السعودية. أهمها تخفيف قواعد الادراج في السوق الرئيسي بهدف زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق المالية. كما ظهر في انشاء السوق الموازي والذي تعد اشتراطات الادراج فيه أكثر مرونة من السوق الرئيسي مما يمكن الشركات الغير قادرة على استيفاء متطلبات إدراج السوق الرئيسي على الإدراج في السوق الموازي. كما ظهر أيضا في فتح السوق أمام المستثمرين الدوليين بعد أن كان مقتصرا على السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون لعقود طويلة، وفي استهداف تنويع الأدوات المالية المدرجة في السوق كالمشتقات المالية والمؤشرات، وتعزيز دور سوق الصكوك والسندات، بالإضافة إلى دور هيئة السوق المالية في حماية متداولي السوق واستقرار القطاع المالي.
فتغيير قواعد إدراج الشركات في السوق يعد أمرا جوهريا في تحديد مدى انفتاح السوق وفي تحديد دور هيئة السوق المالية. فالحكمة مثلا من تحديد قواعد ادراج الشركات هو وضع حدا أدنى من الشروط التي ينبغي على الشركة استيفاؤها للسماح لها باكتساب عضوية في السوق وطرح الأوراق المالية فيها لنيل سيولة المستثمرين. وبالتالي تحقيق الشركات لهذه الاشتراطات يعني أنها شركات مضمونة حققت اشتراطات المشرع واجتازت فحصه؛ لأن المتداول لا يمكنه بطبيعة الحال فحص الشركة الراغبة في الادراج في السوق. كما يرجع الأمر إلى طبيعة السوق المالية والتي تعتمد على نشرات الإفصاح الأولية والدورية والمعدة من قبل الشركات ذاتها. وبالتالي هذا يعني أن المتداول يضع ثقته في قرار هيئة السوق المالية بالموافقة على طلب الإدراج وفي تواجد الشركة في السوق، ومن ثم يرجع قرار الاستثمار من عدمه بناء على خياراته وخططه الاستثمارية.
لذلك وفقا لقواعد الإدراج إذا لم تحقق الشركات الاشتراطات الخاصة برأس المال وغيرها من الالتزامات الدائمة يجب تدخل هيئة السوق المالية بتعليق تداول أسمهما أو اصدار عقوبات وغرامات أو حتى إلغاء ادراجها في السوق. إلا أن هذا الأمر بدأ بالتغير في السوق الرئيسي فمثلا شهد السوق على موافقة تخفيض رأس مال عدد من الشركات وتمييزها بنقاط ملونة في السوق الرئيسي كعلامة تحذير على أنها شركات ذات خسائر متراكمة. بالإضافة إلى عدم تعجل الهيئة في الغاء ادراج ذات الشركات. أما في السوق الموازي فالأمر يختلف؛ وذلك بسبب مرونة السوق واشتراطات الادراج، فتعد الشركات المدرجة فيه عالية الخطورة؛ وبالتالي عدم ضمان ثقة المشرع في إمكانية التداول في شركات السوق الموازي للعامة ولذلك تم قصر التداول في السوق الموازي السعودي على المستثمرين المؤهلين.
وبناء على ما سبق، فإن أهداف برنامج تطوير القطاع المالي تحمل هيئة السوق المالية مهام صعبة، فهي مطالبة بزيادة عدد الشركات المدرجة ومحاولة منح الشركات فرص أكبر، كما هي مطالبة بحماية السوق ومتداوليه من الممارسات المخالفة والتي ستكثر بطبيعة الحال بسبب كثرة الشركات وسهولة ادراجها في السوق. وبالتالي الدور المفروض على هيئة السوق المالية لن يكون بالمهمة السهلة خاصة أنها جهة وحيدة مناط بها ابتداء قبول طلبات الادراج إلى الرقابة الدورية على امتثال الشركات لقواعد الإدراج إلى اكتشاف السلوكيات المخالفة لنظام السوق المالية وقواعد حماية المتداولين مع الأخذ في الاعتبار عدد الأسواق المالية التي تقع تحت إشراف هيئة السوق المالية ” السوق الرئيسي – السوق الموازي- سوق المشتقات- سوق الصكوك والسندات” بالإضافة إلى تزايد عدد الشركات المدرجة.
الأمر الذي يعني أن هناك ضرورة أخلاقية وقانونية في الإفصاح عن تغير دور الطابع الأبوي لدور هيئة السوق المالية ذا الصفة الحمائية للمتداول في السوق الرئيسي أسوة بالسوق الموازي. أي التشديد على أن السوق الرئيسي سيصبح سوق عالي الخطورة بزيادة عدد الشركات، وتنوع الأدوات المالية المدرجة، وتعدد الأسواق وانفتاحها، وتخفيف الضمانات المقدمة للمساهمين المتعلقة بتغيير رأس المال ومن ثم تحميل المتداول مسئولية قرار الاستثمار في شركات السوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال