الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يدرك المختصون في الإدارة الاستراتيجية، أن تنفيذ ضعيف يسهم، حتماً، في افشال استراتيجية أُعدت بعناية واهتمام فائقين، و العكس صحيح، حيث أن التنفيذ المتقن يساعد في إنجاح استراتيجية فيها بعضاً من النقص و القصور. يقولون ذلك لأنهم يدركون أن العمل الحقيقي، عند الحديث عن الاستراتيجيات، يأتي في جانب التنفيذ، حيث يواجه القائمون على المنشأة أو المؤسسة أو الجهة الحكومية، وزارة كانت أم هيئة، الواقع بتحدياته و تشعباته وتداخلاته، بل و تناقضاته وصراعاته.
و مع أهمية مرحلة التنفيذ أو التطبيق للاستراتيجيات، إلاّ أن القائمين عليها يخطئون حينما يعتقدون أن هذه المرحلة تبدأ فور الانتهاء من مراجعة الاستراتيجية و اعتمادها، و كأن مراحل الاستراتيجية خطوات عمل منفصل بعضها عن بعض. الحقيقة خلاف ذلك، و إذا أراد القائمون على استراتيجية ما التأكد من نجاحها فعليهم التفكير في التنفيذ في اليوم الأول الذي يبدأون العمل فيه على إعداد الاستراتيجية و صياغتها. قد يسأل البعض: و كيف نبدأ التفكير في تنفيذ استراتيجية لم تعتمد بعد؟ بل لم تتضح ملامحها أو تتبين خطوطها العامة؟ سؤال مشروع و مهم، و لكن المقصود هنا ليس البدء في التنفيذ، و لكن المعنى هنا هو التفكير في آلية تنفيذ الاستراتيجية، ويأتي في مقدمة متطلبات التنفيذ الناجح إشراك كافة الأشخاص المتوقع أن يكون لهم دور في التنفيذ منذ المراحل الأولى عند التفكير في إعداد الاستراتيجية، و المقصود هنا هو الإشراك الفعلي و ليس مجرد زيارتهم في مكاتبهم لأخذ رأيهم على عجالة. في الشركات، فإن الأمر يقتضي إشراك مسؤولي الإدارة الوسطى في المنشأة، إضافة، بالتأكيد لمجلس إدارة الشركة ورئيسها التنفيذي، أما على مستوى الجهات الحكومية، و هي الحالة الأصعب مقارنة بالمنشآت الخاصة، فإن الأمر يتجاوز إشراك منسوبي الوزارة ليشمل مسؤولي الوزارات و الجهات ذات العلاقة، ومستوى المشاركة في تلك الجهات لا يقتصر فقط على من هو على رأس الهرم في تلك الجهات، و لكنه يشمل المساعدين و مديري العموم ممن لهم علاقة بالموضوع.
إشراك من يُتوقع أن يكون له علاقة بالتنفيذ، و منذ البدء في التفكير في إعداد الاستراتيجية، أمر مهم جداً، لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها تفهمه واستيعابه للاستراتيجية منذ بداية إعدادها و تشربه لمراميها و تطلعاتها بعيدة المدى، إضافة إلى أن تلك المشاركة ستضعه واحداً من الأفراد الكثر الذين أسهموا في إعداد الاستراتيجية، وبالتالي إحساسه وشعوره بأن عليه إنجاح ذلك العمل الذي شارك في إعداده و تبنيه والدفاع عنه، و بذل كل السبل في ذلك. يخطئ البعض عند الاعتقاد أن تخصيص إدارة أو مكتب لتنفيذ الاستراتيجية كفيل بضمان نجاح الاستراتيجية و ترجمتها على أرض الواقع، وكأن الاستراتيجية عمل اجرائي روتيني تسهل متابعته والتأكد من تنفيذه حسب السياسة الموضوعة. الاستراتيجية عمل جماعي، و فكر يجب أن يتبناه الجميع، و يسعى لتنفيذه الكل، و يحصد الجميع نجاحاته، و يتحملون اخفاقاته. هذا لايعني أن لا يكون هناك مكتباً أو إدارة لمتابعة التنفيذ، حيث التيسير و التحفيز والعمل على إزالة كل العوائق و الصعوبات، لكن إذا لم يتبنّ الجميع الأمر و يقتنع به فإن الاستراتيجية ستبقى أفكاراً و تمنيات في رأس المسؤول الأعلى في الجهاز، دون أن تنتقل لتجد طريقها للممارسة و التطبيق. الاستراتيجية عمل شاق، و مستمر، و يخضع للمراجعة والتعديل والتبديل بين فترة و أخرى، خلاف الأعمال الروتينية اليومية المحكومة بسياسات وإجراءات عمل واضحة، لذا فهي تحتاج الكثير من الصبر و الجهد والحماس المستمر الذي يجب أن يبقى مشتعلاً دائماً، و أن لا يخبو في اليوم التالي لاعتماد الاستراتيجية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال