الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتمة معايير السياسة التشريعية
في هذا المقال الثالث والأخير المستكمل لمقالات السياسات العامة إجمالاً والتشريعية تفصيلاً (الموضوعية منها والإجرائية)، وامتداداً لتوصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (والتي من أهم أدوارها: العمل على بناء سياسات وتشكيلها؛ بما يعزز الرخاء والمساواة والفرص والرفاهية للجميع) بشأن مبادئ السياسات التشريعية، فإن من المعايير التشريعية أيضا:
1- وضع سياسة متجانسة تغطي وتوضح: دور ومهام الجهات المخولة بالتشريع والأدوات التشريعية المخولة بها؛ بغرض رفع مستوى الثقة بأن القرارات التشريعية الصادرة مبنية على أسس موضوعية وحيادية ومتسقة، كي تقوم الجهة المخولة بالتشريع بأداء مسئوليتها بالخبرة والنزاهة والأمانة والموضوعية المطلوبة، والحيلولة دون تضارب المصالح من خلال فصل واضح للأدوار بين الأجهزة الحكومية بصفتها مقترحة وواضعة للأنظمة ومقدمة للخدمات في آن واحد، وإلى أي مدى تتداخل السلطتان التشـريعية والتنفيذية في الاختصاصات التشريعية؟
2- التأكد من فعالية الأنظمة القائمة حاليا للتحقق من مدى قانونية وعدالة الإجراءات النابعة من تلك الأنظمة، وكذلك القرارات الصادرة عن الجهات الحكومية المخولة بوضع العقوبات التشريعية في الأنظمة، والتيقن من إمكانية الطعن في تلك القرارات.
3- إجراء تقييم للمخاطر وإدارتها وإعداد استراتيجيات متعلقة بها بغرض تصميم وتنفيذ الأنظمة؛ بغية التأكد من أنها تستهدف الفئات المراد استهدافها وأنها فعالة، ومن ثم إجراء تقييم لكيفية تنفيذ الأنظمة. ومن الأهمية بمكان هنا، تطوير أدوات تشخيص القضايا التشريعية التي تمس كافة مستويات الأجهزة الحكومية لتقويم الأنظمة التي تحتاج لإصلاح وتحديثها.
4- تشجيع الترابط التشريعي -حيثما يكون ذلك ملائما- من خلال آليات تنسيق بين مختلف مستويات الأجهزة الحكومة التنفيذية والتشريعية، من أجل تحديد القضايا التشريعية التي تمس عدة قطاعات على كافة مستويات الحكومة؛ بغرض توحيد وتعزيز الممارسات والأساليب التشريعية وتفادي الازدواجية أو التضارب في الأنظمة، ولتجنب ازدواجية الجهود في النشاط التشريعي في الحالات التي يكون فيها إقرار بأن الأنظمة الحالية قادرة على تحقيق هدف المصلحة العامة ذاته يمكن تحقيقه بتكلفة أقل. وقد يكون من الاقتراحات الفعالة بهذا الخصوص: إنشاء منصة الكترونية خاصة بالتشريعات، تشرف عليها هيئة التشريعات أو المركز الوطني للتشريعات (والمقترحة في المقالة الثانية، فقرة3 )، وتتيح للجهات الحكومية إعداد ومراجعة وصياغة مسودات التشريعات بكافة أنواعها من الناحية القانونية، بما يشمل التأكد من الجوانب الشكلية والجوانب الموضوعية؛ ضماناً للتكامل التشريعي وعدم التعارض مع كافة التشريعات والاتفاقيات الثنائية والدولية الحالية.
5- تعزيز بناء القدرات ورفع مستوى الأداء في مجال الإدارة التشريعية على مستويات الأجهزة الحكومية ككل؛ للحد من التكاليف، ولتفادي الفراغ القانوني وعدم الاتساق والازدواجية والتضارب، من خلال تشجيع أنظمة الحكومة الإلكترونية وتبسيط الإجراءات الإدارية.
6- النظر في كافة المعايير الدولية وأطر التعاون ذات الصلة في مجال التشريع نفسه، فالتعاون التشريعي الدولي أصبح جزءا لا يتجزأ من إدارة المخاطر المنهجية ومن عملية تخطيط السياسات التشريعية بعيدة المدى، فيؤخذ بعين الاعتبار التزامات الحكومة التعاقدية الدولية، مثل اتفاقيات منظمة العمل الدولية، والأمم المتحدة، واتفاقيات منظمة التجارة العالمية والتي تتطلب أن تقوم الأنظمة بمنح المنتجات والخدمات غير الوطنية معاملةً لا تقل عن تلك الممنوحة للمنتجات والخدمات المثيلة ذات المنشأ الوطني. ويمكن الإضافة للالتزامات الدولية، الأنظمة الدستورية (الأنظمة الأساسية)، والعلاقة مع التشريعات النافذة.
وبالإضافة للسياسات التشريعية السابقة، فإنه يتوجه القول أيضاً بوضع دليل استرشادي في الصناعة والصياغة التشريعية، فمن المعلوم أن الصياغة التشريعية هي علم وفن يتكون من مجموعة من المعايير العامة المجردة (لغوية وموضوعية)، تـصوغ القاعدة القانونية بالشكل الذي ينسجم مع السياسة التشريعية التي تتبناها الدولة. وهي علم مستقل في ذاته، فهي الوسيلة المباشرة التي يتم مـن خلالهـا إنشاء النصوص التشريعية وإظهارها إلى الحيز الخارجي؛ لتكون قابلة للتطبيق العملي من المخاطبين بحكمها، متراوحةً بين اللين والحزم، والدقـة والسعة، والثبات والمرونة؛ لأجل إحداث أثر في المراكز القانونية، ومواكبة التغيرات الآنية والمستقبلية، وصولاً لتحقيق الغايات التشريعية.
والعلاقة بين الصياغة المتينة والسياسة التشريعية علاقة معتبرة تتمثل في أن الصياغة الجيدة تشكل المكنة الرئيسة التي يمكـن مـن خلالها تحويل السياسات والأهداف العامة للدولة إلـى قواعد قانونية متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض يسهل تطبيقها، ويمكن الأفراد من الاحتجاج بها في مواجهة السلطات العامة في الدولة من جهة، وفي مواجهة بعضهم البعض، ولا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفة إلا إذا جاءت نتاجا لمنهج واضح في التعبير عنها، وصياغتها بأسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها سائغا ومعقولا. ومن فرائد تطبيقات أدلة صياغة التشريعات: الدليل الصادر من المركز الوطني للتنافسية في المملكة العربية السعودية، والمسمى بدليل (إعداد التشريعات وصياغتها)، حيث يهدف كما أشار الدليل إلى: توضيح الأسس والقواعد والمهارات التي تعبر عن مقصود المنظم وتحقق أهداف التشريع، بالإضافة إلى توحيد إجراءات العملية التشريعية، والإسهام في رفع جودة إعداد التنظيمات صياغة ومضمونًا، والمساهمة في تأهيل العاملين في إعداد التشريعات وصياغتها معرفياً ومهارياً. وهذا الدليل وإن كان استرشادي، إلا أنه قد يتوجه تعميمه وتبينه من قبل الجهات التشريعية والتنفيذية، تحقيقاً لاطراد الأمور الإجرائية وتوصلاً لانتظام المخرجات الموضوعية.
السياسة التشريعية في المجال الاقتصادي أنموذجاً
وأخيراً، فإنه قد يجدر الإشارة إلى مثال تطبيقي في كيفية إعمال السياسة التشريعية موضوعاً في المجال الاقتصادي، فتطبيق السياسات التشريعية في المجال الاقتصادي يجب أن تتضمن آليات وأدوات المشاركة والتنسيق بين الجهات العامة ككل ووضوح وتكامل الأدوار، وقواعد تنظيمية لإشراك القطاع الخاص والقطاع غير الربحي في عملية التنمية والتخطيط الاستراتيجي ورسم السياسات وفق آليات وأسس محددة. كذلك، فإن من المهم تحديد الأولويات التشريعية التي من شأنها تطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة ومواجهة التحديات التي تعيق التنمية الاقتصادية، كالتخطيط التنموي الذي يؤسس لقواعد التنمية المستدامة بأبعادها الوطنية والعالمية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوافر أنظمة إنتاجية وإدارية وتكنولوجية وتعليمية وتدريبية تقوم في مجملها على تعزيز الإنتاج والمرونة الإدارية وتوفير الحلول التكنولوجية، واعتماد نهج التنمية البشرية والتعليم والتدريب المستمر.
أيضا، من الضروري تطوير رزمة التشريعات الاقتصادية على أسس تستجيب للتطورات التجارية الحديثة، وأفضل الممارسات التجارية الدولية الحديثة، التي تتضمن التشريع التجاري وتشريعات الشركات والمحاكم التجارية، والتشريعات التي تنظم دور ومسئوليات المؤسسات (العامة والخاصة والثالث)، والتشريعات المالية التي تتضمن إدارة المال العام، وتنظم الرقابة على المؤسسات المالية ومؤسسات الأعمال والمهن غير المالية، وكذلك تشريعات العمل والأجور، وتطوير تشريعات حماية الملكية الفكرية والصناعية، وتشجيع الاستثمار، وتوسيع التبادل الحر مع السوق الخارجية، وتنظيم المنافسة، والحد من الاحتكار، وحماية المستهلك، والتشريعات الصناعية والزراعية والعقارية والبينية والمياه والطاقة، وحماية وتشجيع الإنتاج الوطني، وتشريعات مكافحة الفساد وغسل الأموال، وضمان المساءلة والشفافية، وتشريعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمواصلات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال