الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تدور فكرة النزعة الاستهلاكية اجتماعيا وثقافيا ونفسيا حول أن زيادة استهلاك الإنسان للسلع والتمتع بالخدمات يزيد من رفاهية الشخص وسعادته ، وأن امتلاك الأشياء والحصول على السلع الاستهلاكية غريزة بشرية ، فالانسان مستهلك بطبعه.
أما اقتصاديًا، فالإنفاق الاستهلاكي هو المحرك الأساس للاقتصاد، وأن حث المستهلكين على الإنفاق هدف أساسي للسياسات الاقتصادية الكلية كما يدافع عنه الاقتصاديون من اتباع المدرسة الكينزية. ومن وجهة النظر هذه ، تعتبر النزعة الاستهلاكية ظاهرة إيجابية تغذي النمو الاقتصادي.
يرى آخرون أن الدافع للحصول على المزيد من الممتلكات المادية يمثل كارثة اجتماعية تتسبب في تفشي القلق الفردي وتآكل النسيج الاجتماعي . وتعنى النزعة الاستهلاكية إلى ميل الأشخاص الذين يعيشون في الاقتصاد الرأسمالي إلى الانخراط في نمط حياة من المادية المفرطة التي تدور حول الاستهلاك المفرط أو التبذير . يُفهم من هذا التصور الاجتماعي المعاكس للتصور الاقتصادي أن النزعة الاستهلاكية تساهم في تدمير القيم التقليدية وأساليب الحياة ، واستغلال المستهلك من قبل الشركات الكبرى ، والتدهور البيئي ، والآثار النفسية السلبية.
في كتابه ( The Market as God ) يرى البروفسور في هارفارد هارفي كوكس” أن السوق أصبح مؤلها، وأن الرأسمالية المعاصرة أصبحت مشابهة لهياكل المؤسسة الدينية الكنسية ، وإن الإله الجديد ( الاستهلاك ) يلغى المساواة بين افراد المجتمع ويزيد المظالم بين افراد المجتمع ، فالسوق –في نظر كوكس – يبدو وكأنه يتصف بصفات إلهية في العلم والقدرة، ويسعى بعقيدته لتغيير أسلوب حياة الناس ونمط معيشتهم )
من جانب آخر يشير المدافعون عن النزعة الاستهلاكية إلى كيف أنه يمكن للإنفاق الاستهلاكي أن يقود الاقتصاد ويؤدي إلى زيادة إنتاج السلع والخدمات نتيجة لارتفاع الإنفاق الاستهلاكي. في الولايات المتحدة مثلا ، يمكن العثور على علامات طلب الاستهلاك الصحي في مؤشرات ثقة المستهلك ، ومبيعات التجزئة ، ونفقات الاستهلاك الشخصي، ويمكن لأصحاب الأعمال والعاملين في الصناعة ومالكي الموارد الخام الاستفادة من مبيعات السلع الاستهلاكية إما بشكل مباشر أو من خلال المستهلكين.
غالبًا ما يتم انتقاد النزعة الاستهلاكية على أسس ثقافية اجتماعية، فالبعض يرى أن النزعة الاستهلاكية يمكن أن تؤدي إلى مجتمع مادي يتجاهل القيم الأخرى . ويرون أن النزعة الاستهلاكية ترتبط بالعولمة في تعزيز إنتاج واستهلاك السلع والعلامات التجارية المتداولة عالميًا ، والتي يمكن أن تتعارض مع الثقافات وأنماط النشاط الاقتصادي للشعوب الأخرى، كما يمكن أن تضطر النزعة الاستهلاكية لتحمل المستهلكين مستويات ديون عالية تساهم في الأزمات المالية وحالات الركود.
ويرون أن المشاكل البيئية ترتبط بالنزعة الاستهلاكية وأن الآثار المباشرة للاستهلاك تنتج عوامل بيئية سلبية كالزحف العمراني ، والتلوث ، ونضوب الموارد ، ومشاكل التخلص من النفايات من السلع الاستهلاكية الزائدة. كما يتم انتقاد النزعة الاستهلاكية على أسس نفسية كزيادة القلق لدى مدمني التسوق ( shopaholic ) الذين يعانون من الإرهاق الاجتماعي والحاجة المستمرة إلى مواكبة الجيران وتقليد الآخرين والغيرة من الأقارب من خلال زيادة الاستهلاك فوق قدراتهم المادية . وعادة ما يبلغون حالات مزاجية سيئة ، وتعاسة أكبر في العلاقات ، ومشاكل نفسية أخرى كالقلق والاكتئاب المزمن و بعبارة أخرى : النزعة الاستهلاكية لا تجعل الناس سعداء على الإطلاق.
مع إنفاق المستهلكين ، يفترض الاقتصاديون أن المستهلكين يستفيدون من فائدة السلع الاستهلاكية التي يشترونها ، لكن الشركات تستفيد أيضًا من زيادة المبيعات والإيرادات والأرباح. فمثلا لو زاد استهلاك كماليات أو اطعمة معينة من خلال التطبيقات الرقمية فهذا سيؤدي لحركة شاملة في الاقتصاد فالمصانع ستزيد انتاجها والوظائف ستزيد والخدمات المرتبطة بذلك سوف تنمو مما ينعكس بشكل ايجابي على الاقتصاد الكلي وفقا لكينز. يبقى أن نعرف أن تعزيز الإنفاق الاستهلاكي من خلال السياسة المالية والنقدية يعد هدفًا أساسيًا لواضعي السياسات الاقتصادية لأنه يشكل نصيب الأسد من إجمالي الطلب والناتج المحلي الإجمالي ، لذلك يُنظر إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي على أنه أكثر الطرق فعالية لتوجيه الاقتصاد للنمو ، وفي الجانب الآخر يمكن اعتبار الادخار ضارًا بالاقتصاد لأنه يأتي على حساب الإنفاق الاستهلاكي الفوري.
ومابين النظرة الاجتماعية والنظرة الاقتصادية يبقى التوازن هو الطريقة المثلى لحياة تحقق سعادة الفرد وتنمو بالاقتصاد وصدق الله القائل ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال