الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أن عملية تخطيط وتصميم المشاريع العمرانية ذات علاقة وثيقة بالاحتياجات الاجتماعية، بالإضافة أن لها القدرة على التغيير وإحداث التأثير. وهذا يحافظ على تحقيق الاستدامة الاجتماعية، كما يجعل حياة المجتمع أكثر تماسكاً وحيوية. وقد توصلت الدراسات المختلفة إلى أهمية دراسة السلوك المجتمعي كأداة لتصميم العناصر العمرانية لتلبي الاحتياجات الاجتماعية. وفي ضوء ذلك نحاول في هذا المقال الإجابة على تساؤل “ما هو مفهوم الاستدامة الاجتماعية بشكل عام، وما تأثيرها على تصميم المشاريع الإنشائية؟” فبمجرد أن تُذكر “الاستدامة“، تذهب أفكارنا الى كل ما هو أخضر أو نختزلها في الأشجار أو الطبيعة والكوكب وبيئته. لكن هذا ليس الجانب الوحيد الذي يجب أن نأخذه في الاعتبار مع مفهوم الاستدامة. فالاستدامة الاجتماعية لها من الأهمية بوزن جوانبها الأخرى. فيجب النظر فيها أثناء بناء المشاريع لخلق المزيد من الفرص لإنشاء مجتمع مزدهر مع تمكينه والحفاظ عليه. تظهر مصطلحات “الاستدامة الاجتماعية” و “المجتمعات المستدامة ” كثيرًا في عالم الأعمال. لذلك يعرّف قاموس الأعمال الاستدامة الاجتماعية على أنها “ليست قدرة المجتمع على تطوير العمليات والكيانات التي تلبي احتياجاته الحالية فحسب، بل تدعم أيضًا قدرة الأجيال القادمة على الحفاظ على مجتمع صحي” فالاستدامة الاجتماعية تلبي مجموعة واسعة من الاحتياجات البشرية، مع الحفاظ على الطبيعة وتحقيق العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية والمشاركة الاجتماعية لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة.
وعلى ضوء ذلك، دعونا نلقي نظرة على الاعتبارات التي يجب أخذها مع الاستدامة، بعيدا عن الجانب البيئي. فعندما يتعلق الأمر بالبناء، فإن الأمر يتعلق في النهاية بإنشاء مجمعات تعزز رفاهية سكانها من خلال فهم ما يحتاجه الناس من هذه الأماكن التي سوف يعيشون ويعملون فيها. فممكنات وسمات الاستدامة الاجتماعية والتي يمكن العمل عليها لضمان التخطيط الأفضل لتنمية مستدامة لمشاريع البناء أثبتتها العديد من الدراسات المختلفة التي تم الاطلاع عليها. وأكثر هذه السمات التي اتفق عليها العديد من الباحثين والممارسين، وبناء على الممارسات التي لمستها من خلال عملي في البحر الأحمر الدولية الرائدة في مثل هذه الصناعات وبعد أن دمجتها واختصرتها في أربع ممكنات تتعلق بالاستدامة الاجتماعية التي تٌعنى بالمجتمع والاحتياجات البشرية.
أولى هذه السمات هي المشاركة المجتمعية مع أصحاب المصلحة:
مشاركة أصحاب المصلحة ومن ضمنهم المجتمعات المحيطة هي مفتاح النجاح و أولى الخطوات في تحقيق الاستدامة الاجتماعية. الحرص على تحديد جميع أصحاب المصلحة بجميع فئاتهم والالتزام بمشاركتهم وأن يكونوا على دراية بكامل المشروع والفرص فيه وأن يكون ذلك حتميا وليس اختيارياً. فياتي ذلك من خلال تطوير وتنفيذ خطة لإدارة أصحاب المصلحة التي تشجع على التفاعل والتكامل والتعاون والشعور بالرضا وتعزز الثقة المتبادلة من خلال مساهمتهم الإيجابية. هذه التفاعلات مع أصحاب المصلحة، ينتج عنها معرفة توقعاتهم وتحديد القضايا والمخاوف لديهم والتي تحتاج إلى استجابة سريعة في وقت مبكر. يأتي أهمية إشراك أصحاب العلاقة في المجتمعات المحلية ومنها القطاعات الحكومية وغير حكومية منذ البداية وفي مرحلة التصميم لفهم احتياجاتهم وتوقعاتهم. مع أهمية استمرارية تدفق المعلومات عن المشروع من المطور لأصحاب العلاقة والعكس طول حياة المشروع، لأن مثل هذه المشاريع عادة ما تكون لها دورة حياة طويلة نسبيًا، ومن الممكن أن يختلف أصحاب المصلحة وتفاعلاتهم واهتماماتهم بشكل كبير من مرحلة في دورة حياة المشروع إلى أخرى. وبالتالي، فإن المشاركة المجتمعية لا تتوقف على مرة واحدة وأن تكون متكررة وفق استراتيجية وخارطة طريق طويلة المدى.
السمة الثانية تقييم الأثر:
السمة الأكثر ذكراً في جميع الدراسات والممارسات هي تقييم الأثر بهدف توفير خطط لتخفيف وتقليل التأثيرات المحتملة والناجمة عن عوامل بناء وموقع المشروع التي يمكن أن تؤثر على السكان المحليين. فمن خلال الاستفادة من البيانات والمعلومات المكتسبة من الثمة السابقة المشاركة المجتمعية مع أصحاب المصلحة ومع استخدام آليات قياس اخرى يتم تقييم الأثر الاجتماعي والصحي للمشروع على المجتمعات المستهدفة والمحيطة بالمشروع وتقييم تأثير المشروع على الموارد الثقافية والتاريخية والأثرية المحيطة به. وقياس تأثير إدخال طبقات اجتماعية جديدة ومختلفة مع المجتمعات المحيطة. كل ذلك لفهم كيفية التعامل مع هذه التأثيرات ولتسهيل عملية صنع القرار في مرحلة التصميم والتنفيذ والتشغيل ولضمان وضع تصميم اجتماعي شامل ومناسب لجميع الفئات ويلبي الاحتياجات المعيشية والنفسية والسلوكية للإنسان. مع مراعاة أهمية الاستمرار في التقييم الاجتماعي بعد كل مرحلة على مدى حياة المشروع لقياس مدى ملائمة الحلول الموضوعة لتقليل هذه التأثيرات.
السمة الثالثة الصحة والسلامة
الصحة والسلامة هي منظومة من العمليات والسياسات لخلق بيئة آمنة وصحية ومريحة للمستخدمين المؤقتين والنهائيين للمشروع ومنهم العمال والموظفين والسكان والزوار. فيجب الأخذ بالاعتبار لهذه السمة في مرحلة التصميم التي تهدف إلى الحد من إصابات العمل والوفيات وليس ذلك فحسب بل زيادة صحتهم. فالصحة والسلامة تحدد العلاقة بين تصاميم المشروع وحوادث إصابات العمل في مواقع المشروع، فالتصميم الآمن يعطي البناء امان طوال حياة المشروع بأكملها ويعرف هذا التصميم باسم “الوقاية من خلال التصميم”. فأهمية هذه السمة تكمن في الاهتمام في حياة البشر لذلك وجب قانونياً ووضع خطة وإدارة عمل متخصصة تعمل على التنبؤ بالنتائج الكارثية المحتملة ووضع الخطط والتوصيات للتخفيف من المخاطر المحتملة وإجراء تحليل لحياة مواد البناء والمنتجات وطرق نقلها واستخدامها لضمان سلامة القوى العاملة والمستخدمين النهائيين وصحتهم. ونفتخر في مشروع البحر الأحمر احدى الوجهات السياحية التي تقوم بتطويرها البحر الأحمر الدولية بالاحتفال بشكل متكرر بتحقيق ساعات عمل مليونيه من دون حوادث وإصابات عمل بفضل الله وحفظه ثم بفضل الإجراءات والتطبيقات المتبعة في التصميم والبناء والتشغيل.
السمة الرابعة المسؤولية الاجتماعية للمطور:
يمكن للشركات القائمة على المشاريع الانشائية تعزيز وعيها بمفهوم المسؤولية الاجتماعية من خلال تنفيذ المبادرات ونقل معرفتها الى المجتمعات المحلية والالتزام في التدريب والتعليم وتوفير عدد ونسبة الوظائف المحلية للاستثمار في القوى العاملة المحلية في جميع مراحل المشروع. كذلك مساعدة ودعم المجتمعات المحلية في عدد من القضايا الأخرى التي يمكن تحديدها ضمن عملية المشاركة المجتمعية. الاهتمام والدعم ايضاً بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحديد نسبة من المشتريات للإنفاق على المنتجات المحلية. مع خلق قيمة اجتماعية في المجتمعات المحلية تهدف إلى حماية التراث الثقافي. وأن يكون اختيار شركات التصميم، المواد والمعدات مختزل على المصنعين والموردين الذين لديهم ممارسات مستدامة في جميع أبعادها، ويتوافقون مع اهتمامات ومبادئ المطور لهذا المشروع. ويأتي وضع السياسات والحوكمة ضمان لحقوق العامل والموظف مع تحديد المزايا الاجتماعية المقدمة وآلية الحصول عليها من مسؤوليات الشركة الاجتماعية.
برغم من أن الرؤية الأعمق في دمج ممارسات الاستدامة الاجتماعية في المشاريع الانشائية لا تزال غير مكتملة الجوانب. لذلك على المطورين معالجة هذه الفجوات من خلال دمج الاستدامة الاجتماعية وتفعيل جميع سماتها في جميع مراحل مشروع البناء لإفادة مجموعة أكبر من أصحاب المصلحة. ومع دمج كل هذه الاعتبارات الاجتماعية مثل الصحة والانتاجية وجودة الحياة في المجتمعات عند تحليل العائد على الاستثمار من هذه المشاريع الإنشائية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال