الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اتخاذ القرارات في الأسواق المالية تبنى على المعلومات المتوفرة في السوق وهذا ما يعطي أفضلية للاسواق المتطورة عن الأسواق الناشئة. حيث ان المستثمر في الأسواق الناشئة غالبا ما يعاني من نقص المعلومة التي يبني وفقها القرارات الاستثمارية، ونقص المعلومة هو نتيجة لتحديات أدت إلى نقص المعلومة. في المقال السابق تحدثت بشكل عام عن الاختلاف بين الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة. كما اشرت الى انه من الصعب تطبيق أفضل الممارسات في الحوكمة المطبقة على شركات الأسواق المتقدمة على شركات الأسواق الناشئة.
النظام المالي في الأسواق الناشئة مختلف بشكل كبير عن الأسواق المتقدمة. مثلا، تعادل عدد الأسهم المتداولة في الأسواق الناشئة بما يساوي 44% في حين أن النسبة ترتفع لتصل الى ٩٣٪ في الأسواق المتقدمة. كذلك، معدل الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة في الناتج المحلي في الأسواق الناشئة منخفضة جدا بحيث تصل الى 4% فقط في حين ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ في الأسواق المتقدمة ليصل 34%. وعلى هذا النسق يتم قياس الأمر فيما يتعلق بالتجارة والائتمان الخاص والقيمة السوقية للشركات للناتج القومي المحلي، بالنسبة أقل بكثير في الاسواق الناشئة عن الأسواق المتقدمة.
والسبب الجوهري الأساسي في هذا التفاوت هو اختلاف طبيعة شركات الأسواق الناشئة عن الشركات في الأسواق المتقدمة في عنصرين الا وهي: ١/ الالتزام والامتثال ٢/ هياكل الملكية التي تشكل الصراع بين المديرين والتنفيذيين وبين المساهمين.
من ناحية هياكل الشركات في الأسواق المتقدمة هو تنوع المساهمين وارتفاع معدل الشفافية والمساءلة. وهذا ما يفتقد في شركات الأسواق الناشئة. حيث ان نوعية الشركات السائدة في الأسواق الناشئة هي اما شركات عائلية او شركات حكومية أو شبه حكومية. وكما نعلم أن الشركات العائلية لها ميزة وهي تأثير المصالح العائلية على الالتزام طويل الأجل بالأعمال، والحافز للمحافظة على ثقة المساهمين، وافضل الدول التي تمتلك نماذج جيدة للشركات العائلية هي الصين حيث أن الشركات العائلية لها إسهام كبير جدا في الناتج المحلي للاقتصاد الصيني. ولكن تحديات الحوكمة في هيكل الشركات العائلية هي أن معظم حقوق التصويت يكون من نصيب العائلة والمؤسسات المالية المساهمة، وهذا نمط ملكية مركز، وبالتالي يصعب تطبيق نظام حقوق التصويت بالشكل السائد حيث انه سيكون هناك صعوبة في حماية حقوق صغار المساهمين. وهذه من اهم الاشكاليات التي تمنعنا من تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة على الشركات العائلية حيث أن هيكل الشركة لا يتوائم مع تطبيق أفضل الممارسات في الحوكمة.
كذلك، هو الحال في الشركات التي تكون الحكومة مساهما فيها، حيث حقوق صغار المساهمين يصعب حمايتها اذ ان المهيمن هنا هي الحكومة كونها المساهم المهيمن. وهذا هي خاصية أساسية في معظم الأسواق الناشئة مثل الصين و روسيا والهند ..الخ. مثلا، فيما تملك الحكومة الصينية بما يقارب نسبة 37% من جميع الاسهم المدرجة القابلة للتداول في سوق الأسهم الصيني. هذا يفضي الى نتيجة مهمة وهي ان الحكومة هي المهيمنة وهذا يترتب عليه أحيانا أن رئيس مجلس الادارة هو نفسه الرئيس تنفيذي. كما يترتب عليه ان من يرأس هذه الشركات تنفيذيا و مجالس إدارتها تكون بترشيح من الحكومة. وهنا نقع في مشكلة تركز هيكل الشركة ومستوى الالتزام.
التحدي الذي يواجهنا في حالة حاولنا تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة في مثل هذه الحالة هي أنه غالبا ما يكون الفرد الذي ترشحه الحكومة يقوم بالدور الاساسي في عملية صنع قرارات مجلس الادارة. ونتيجة لذلك، سيكون هناك تحيزا من أجل حماية مصلحة الحكومة كونها هي المساهم الأكبر، حتى ولو كان على حساب حقوق صغار المساهمين. كذلك، احيانا يكونون اعضاء مجالس ادارة الشركات انفسهم هم يملكون مناصب حكومية وبالتالي هذا ايضا يؤثر بشكل كبير في عملية صنع القرار.
ولذلك، نجد الابحاث التي اجريت على الأسواق الناشئة، تركز على موضوع صناعة معايير حوكمة او مثلما اشرنا في المقال السابق حُزم حوكمة مرتبطة بنوعية الشركات في السوق الناشئة. والسبب في ذلك هو ان هياكل الادارة تندرج تحت مفهوم الهياكل المركزة، وبالتالي لابد من حماية صغار المساهمين و رفع معدل الثقة في السوق من أجل رفع معدل التجارة والتداول والاستثمار الأجنبي. وهذا الامر لا يتحقق في جو يسوده تطبيق غير عملي للحوكمة للشركات ذات طبيعة مختلفة عن الحوكمة للشركات في أسواق متقدمة وهياكل ملكية مختلفة و بمعايير مختلفة الالتزام والامتثال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال