الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أن أبدأ بكتابة مقال اليوم، والذي يحمل طابعا ثقافيا ممتزجا بالتنمية الوطنية، أحب أن أشير إلى لفتة جميلة شاركني بها أحد الزملاء لحظة عزف النشيد الوطني الصيني، حيث أشار صديقي إلى فكرة اللغة المشتركة التي تمس أحاسيسنا جميعا حتى وإن لم نفهم الكلمات. المشاعر المشتركة بين الشعوب توحدهم ولا تحتاج لترجمة أو محللين حتى تصل إلى عمق القلب.
تبادرت إلى ذهني هذه الخاطرة وأنا أشعر بالسعادة الغامرة في سياق إطلاق مبادرة “الثقافة والمستقبل الأخضر” من قبل مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي. هذه المبادرة التي تهدف إلى رفع الوعي بمركزية الثقافية في التنمية الشاملة والمستدامة، ذكرتني بندوة كنت قد أدرتها قبل عدة أسابيع لأحد الملتقيات، وكانت أحد ضيوف الندوة هي مدير برنامج المرافق الثقافية والإسكان في مدينة أمستردام في هولندا. والحقيقة أن أشد ما لفت انتباهي في استعراض الضيفة للتجربة الثقافية في المدينة كان تحسين الارتباط بالمجتمع من خلال التركيز على النموذج الثقافي، فقد وضعت البلدية في عام 2018 لائحة تفرض إدراج المرافق العامة في برامج تطوير مطوري العقارات وجمعيات الإسكان. فنستطيع القول بأن لكل أربع وحدات سكنية قيد الإنشاء، يلزم تطوير متر مربع من المرافق الثقافية. هذا النموذج المحسوس لقوة الارتباط الثقافي، والعلاقة بينه وبين المكان جعلني أستشف الدور الذي ستلعبه هذه المبادرة خلال الأشهر القادمة على أكثر من صعيد.
أعتقد أن الارتباط بالأرض والإنسان والوطن سيشكل توجهات أساسية للثقافة في هذا السياق، فتلعب ثقافة المكان على سبيل المثال دورا أساسيا في التعامل مع الأرض والبيئة المحيطة. البيئة الصحراوية لا يمكن أن تحمل نفس الثقافة التاريخية التي نعرف بها بيئة السواحل. وإذا ما أردنا تحقيق استدامة المكان من خلال الثقافة فلا يمكن أن نغفل الإرث الذي يحمله هذا المكان لسنوات طويلة. أما الإنسان فهو بالتأكيد المحور الأساس، واللاعب الرئيس الذي ستشكل ثقافته ووعيه النهوض والارتقاء بالبيئة لتصل إلى مصاف التنافسية العالمية. وفي هذا الجانب تحديدا فلا يمكن إغفال التجارب المحلية الإيجابية في بعض المدن.
كما أن اختلاف أنماط السلوك الإنساني ودرجة الالتزام والوعي بين المدن بحاجة لدراسة وتحليل على عدة مستويات. الجانب الثالث الذي أراه متصلا بشكل جوهري بثقافة الاستدامة هو الجانب الوطني. ولا أعتقد أننا هنا بحاجة لتفسير العلاقة المباشرة بين الدول التي تعتمد ثقافة الاستدامة في منهجياتها وبين غيرها من الدول. التجربة بحد ذاتها رائدة، وتبشر بنقلة نوعية تخدم الوطن والمدن والإنسان بلا أدني شك.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال