الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بحث بسيط لشخصٍ غير مختص في المجال الاقتصادي، يجد أن أهم عوامل القوة لاقتصادات الدول هو تولديها للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بحجمٍ كبير، ودعمها على الأصعدة جميعها. جدير بالذكر أن الاقتصاد الأمريكي الذي يعد أقوى وأضخم اقتصاد على الصعيد العالمي، نجد أن نصيب المنشآت الصغيرة والمتوسطة أكثر من سبعين بالمئة، من إجمالي المنشآت العاملة، حيث إن نسبة العاملين في تلك المنشآت تشكل أكثر من ثمانٍ وأربعين بالمئة، من إجمالي نسب العاملين في سوق العمل.
نمو هذه المنشآت وتكاثرها هو انعكاس مباشر لنمو اقتصادات الدول وانخفاض نسب البطالة. ومما لا شك فيه أن الأفكار الخلّاقة محط تبني واهتمام مصارف التمويل في أصقاع الأرض. تتصدر “الصين” هذه الحقبة كمثال لدولةِ الصناعةِ الأولى بلا منازع، تحظى منشآتها الصغيرة والمتوسطة بتمويل ودعم سريع دون تعقيدات.
نعود إلى المملكة حين قررت رفع الإيرادات الحكومية، لجأت لصناعة العديد من الاستثمارات المحلية مكونة بذلك موارد غير نفطية أسهمت في دعم الميزانية.
كانت إحدى الخطوات الرئيسة من قائد الرؤية وعرابها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حين جعل المستهدف أن تكون المملكة واحدة من أسرع دول مجموعة العشرين في رفع الناتج المحلي. ذُللت الصعوبات، وتجاوزت العقبات بصناعة عدد كبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ومما لا يخفى على الجميع أن “الدعم الحكومي” يشكل عصب هذه المنشآت والعامل الأساس لنجاحها. دولة غنية زاخرة بمواردها، ومواطن رائد متمكن في ذات الاختصاص، يملك الفكر الاقتصادي المتّقد، فالتجارة – وعلى مر التاريخ- هي ميزة للسعودي على نحو خاص والخليجي عامة.
ظهرت المبادرات واضحة جلية، صناديق تمويل حكومية وبرامج أخرى داعمة لأفكار أصحاب المنشآت، حتى طال الأمر بتفعيل المؤسسات الراكدة علها تنشط وتستجيب عقب خمولها! ليكشف لنا الواقع عكس المأمول إلى حد بعيد.
أسرد الإشكالات التي توضح لماذا كان الواقع صادماً أحياناً؟ فعند سماعي لكثير من قصص الأصدقاء المهتمين بهذا الشأن والسؤال عن رحلة التمويل، كان السواد الأعظم ممتعضاً من واقع البنوك. فئة صنفت التمويل “بشبه المستحيل” فالاشتراطات محبطة، إحداها قوائم مالية تدر لك الأرباح لأكثر من ثلاث سنوات.
تليها أختها قائلة: تُمنع وتُقصى من التمويل لعدم وصول مبيعات منشأتك لرقم معين. حينها أدركت الوضع، فالبنوك هي جهات ربحية لا عجب من تعاملهم ومحاولتهم دحر المخاطر قدر الإمكان.
استفسرت عن الصناديق الاستثمارية والتمويل الجريء، كانت كلمتهم هذه المرة موحدة، وهي: حصر الصناديق لأسماء محددة. أوهمت نفسي بمبررٍ، ربما الصناديق دورها الرئيس هو رفع أرباح المساهمين فحسب. ولكن! ماذا عن الاستثمار من المستثمرين؟ أو “المستثمرين الملائكيين” كحد وصفهم. ذكروا أن “الملائكيين ” ومن ليس لهم من اسمهم نصيب طريقتهم هي كالآتي: اشتراط نسبة لا تقل عن خمسين في المئة، وقد تصل إلى ستين بالمئة كخطوة أولى، والنزيه منهم –إن وُجد – كخطوة ثانية يرغمك على توقيع سندات لأمر، والبعض بملء فِيه يلزمك على “شيكات” من غير رصيد”. أما الجهات الشبه حكومية هم فرقتان، أولى إعلاناتها ملأت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة بعد الجائحة، رغم علمها المسبق بمعاناة الكثير من المنشآت، إلا أنها تفوقت بطلباتٍ تعجيزية -في حال القبول المزعوم- كرهن عقار وكفيل حكومي غارم تكون التزاماته المالية لا تشكل إلا جزءاً لا يكاد يذكر من الدخل، إضافة لتوقيع سندات لأمر!
تأت الثانية لتصف نفسها بجهة توجيهية إرشادية تقوم بدورها –المضحك المبكي- لترشدنا لسبيل مصارف التمويل، معتقدة جهلنا إياه، وهكذا دواليك.
لحظة صمت جعلتني لا ألتزم الصمت، علني أجد ضالتي بجواب شافي. من خلال حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي تطابقت أقوال المتابعين وقصصهم مع التمويل عند طرحي الأسئلة الآنفة الذكر. فبحث سريع لمواقع الجهات المنشودة وللوهلة الأولى عند قراءة الشروط يتبين لك عدم رغبتهم في تمويل هذه المنشآت!
الطريف في الأمر خلال رحلة البحث لفتت انتباهي أرقام لمكاتب استشارية جعلوا من عبارة “نسهل تمويلك” عنونًا عريضًا لهم، قادني الفضول إلى التواصل معهم لعل لديهم “سر الخلطة”. لأجد الجواب من رجل بجنسية عربية يبدي استعداده التام في تسهيل عملية قبول الأوراق مقابل نسبة عشرَ بالمئة، من التمويل الذي قد لا يأتي. كان هذا أحد خيارين أحلاهما مرّ. أما الخيار الثاني، أن يقوم بعمل دراسة جدوى للمشروع، فترجح كفة القبول كونها من مكتب معتمد، ومن هنا يضمن لك التمويل مقابل نسبة تفوق الأولى بثلاثة أضعافٍ ربما.
قيل لي:
كيف ندعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة مالياً؟
فأجبت: بالتمويل وليس بالإعلانات!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال