3666 144 055
[email protected]
أسواق الأسهم في أي بلدٍ كان هي مرآة لوضع الاقتصاد في ذلك البلد تتفاعل مع نموه وتراجعه على حدٍ سواء لكن هذه المرآة لا تخلو من الضبابية والتشويش وطبعات الأيدي المتسخة عليها وسوق الأسهم السعودي (تاسي) ليس استثناءً بالتأكيد فالتصاميم الجميلة لمواقع وتطبيقات وسطاء التداول في هذا السوق لا تعني بالضرورة جمال ساحاته وباحاته وصفاء أجواءه. كيف لا وهو السوق الذي تتلطخ شوارعه بخلطات الإسمنت وبقايا أعمال الإنشاء وتتلوث أجواءه بانبعاثات المصانع وتلقى على أرصفته بقايا الأطعمة من الأرز والدجاج والخبز واللحم والسمك؟!
هو السوق الذي يجترّك من دهاليزه المصرفيون ليقرضوك من فوق أعمال الحفر المكشوفة ومن تحت المياه المتسربة من المباني الشاهقة فوقك. هو السوق الذي يتهافت فيه مناديب التأمين على الشاب الصحيح البدن على مرأى من الشيخ الهرِم. هو السوق الذي يحلف فيه الجميع ويقاد فيه القطيع. هو السوق الذي يأكل بوابة الفقير مع تجّاره وينام شرطيّه عن أشراره.
هو سوق كأي سوق هدف من فيه الربح وإن يكن بقبح وبقدر التنازل عن القيم يحققون القمم، عالي المخاطرة مُشبع للمغامرة، يكره المجاهرة ويقدّر المصاهرة. تُجبى فيه الزكاة بلا موعد وتقام فيه الصلاة بلا مسجد. هذا ما ستراه إن كوّرت نفسك وألقيت بها في شاشة وسيط تداولك.
كنت مقتنعاً ولا أزال بأن سوق “تاسي” لن يكون صحياً إلا عندما يبدأ الانعتاق عن أسعار النفط. بكلمات أخرى، أن يتخلص الاقتصاد السعودي من اعتماده على النفط وهذا هو أهم مستهدفات رؤية 2030 وعلى الرغم من تحسن أسعار النفط بشكل كبير في العام 2022 الذي ساهم بتحقيق أول فائض في الميزانية منذ قرابة العقد داعماً الإيرادات غير النفطية الأخرى إلا أن “تاسي” ولأسابيع على غير العادة يتراجع ولا يتفاعل مع كل هذه الأخبار الإيجابية من فائض 90 مليار ونمو للناتج المحلي زهاء 7% بل يعود لكسر حاجز 10آلاف نقطة لأول مرة منذ أكثر من عام، فهل انعتق من النفط وعائداته؟
الإجابة لا، “تاسي” يعاني من شح السيولة وتبعات رفع أسعار الفائدة ومخاوف ركود الاقتصاد العالمي وإذا ما أدركنا أن نسبة المستثمرين الأجانب غير المؤسسين فيه (بدون أرامكو) تحوم حول حمى 10% فإنه من غير المعقول القول بعالمية السوق وتأثره بهروب رأس المال الأجنبي بل إن الهروب جاء من كبار المستثمرين المحليين من أفراد وصناديق لجأوا للاستثمار في أدوات الدين مضمونة العوائد بعيداً عن الأسهم وتقلباتها وهذا الخيار طبيعي ومعتاد في هذه الحالات، لكن غير الطبيعي أن يكون التخارج بهذه الكميات المهولة المزلزلة للسوق و المزعزعة لثقة المستثمرين به في وضع اقتصادي قوي للبلد وتوقعات كبيرة للنمو مما يوحي بوجود ثغرة تشريعية يستغلها هؤلاء الهاربون بحقائب السيولة فلا هم مستثمرون حقيقيون يثقون باستثماراتهم ويصطبرون عليها ولا هم صمام أمان للسوق من التقلبات والأولى دراسة سلوكهم وتقييمه ووضع القوانين للحد منه.
ختاماً، أسواق الأسهم عرضة للتقلبات ولا تسير دوماً بنظام ومنطق وأمانة فهنالك من يتداول بناءً على معلومات داخلية وهنالك من يقوم بطرح أسهم شركته كخطة تقاعدية وهنالك من يتصرف بأموال المساهمين كيفما شاء ويعيش البذخ والفخامة وهنالك من يستخدم الشركة المساهمة ويضحي بها لمصلحة شركاته الخاصة وهنالك من يتلاعب بالدفاتر ويخفي معلومات جوهرية ولذلك دائماً أقول قبل أي استثمار بشركات سوق الأسهم ألق نظرةً على أسماء مجلس الإدارة وكبار الملاك وتتبع تاريخهم الوظيفي وسمعتهم في السوق فالرأسمالية تعلّم الأرقام لكنها تجهّل الأخلاق وأصحاب الاستثناء بها موجودون ومعدودون فجدهم وأجعل نصب عينيك قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ).
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734