الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كشف مقال لصحيفة وول ستريت جورنال فضيحة شركة ثيرانوس Inc Theranos والتي تعبر عن ثقافة احتيال “زيّفها حتى تصنعها” من خلال مؤسستها إليزابيت هولمز.
في جانب تعريفي عن شركة ثيرانوسTheranos Inc فهي شركة تكنولوجيا رعاية صحية أسستها إليزابيث هولمز عام 2003م ، وادّعت الشركة خلال نشأتها أنها طورت تقنية مبتكرة لفحص الدم والتي كانت أساس عملياتها التجارية بحيث هذه التقنية تساهم بالكشف عن الأمراض ببضع قطرات من الدم وباختبارات رخيصة وسريعة ومضمونة النتائج، مما دفع المستثمرين للاستثمار بمئات الملايين من الدولارات في المشروع.
وفي لمحة سريعة عن إليزابيث هولمز، فهي تركت دراستها في جامعة ستانفورد ثم أسست الشركة وعمرها 19 سنة. ومع ممارسات الاحتيال والاستفادة من مكانة عائلتها في نسج التواصل مع أصحاب الشأن، شهدت الشركة في السنوات الأولى نمواَ هائلاً وربحية إلى الحد الذي بلغت قيمتها 9 مليار دولار عام 2015م ثم إلى حد الانهيار النهائي للشركة في عام 2018م وأحكام بالسجن تصل إلى 11 سنة.
حين بلوغها قمة النجاح، وصفتها مجلة فوربس بأنها أصغر مليارديرة عصامية بالعالم، بل اتجه النظر إليها من قبل مجلات الأعمال على أنها خليفة ستيف جوبز في قيادة ثورية في عالم المختبرات والمال.
السبب في هذا الصعود الصاروخي هو تغذيها لسنوات بالممارسات غير الأخلاقية والاحتيال المالي مدفوعة بشكل رئيسي بغياب حوكمة مجلس الإدارة وهو رأس الهرم ثم غياب الحوكمة نزولا إلى المستويات الإدارية داخل الشركة.
ومن الأهمية، أن نلقي الضوء على قائمة المستثمرين أعضاء مجلس الإدارة لنرى المزيد من الأسباب الداعمة لهذا الاحتيال.
جمعت شركة ثيرانوس أثناء حياتها أكثر من مليار دولار قبل السقوط المدوي، ومن أبرز المستثمرين في الشركة مؤسس شركة أوراكل لاري إليسون، ومؤسس شركة رأس المال المغامر المرموقة في وادي السيليكون السيد تيم درابر، و عائلة والتون ورثة وول مارت بقيمة 150 مليون دولار، وقطب التجارة والإعلام الملياردير روبرت مردوخ بقيمة 121 مليون دولار، والعائلة الملياردية عائلة ديفوس 100 مليون دولار، بالإضافة إلى الملياردير كارلوس سليم 30 مليون دولار.
أما أعضاء مجلس الإدارة والذي هو حجر الزاوية في حوكمة الشركات، فيتضمن أسماء طاغية منهم وزير الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر، أيضا الوزير السابق جورج شولتز، وزير الدفاع الأمريكي السابق وليام بيري، وزير الدفاع السابق في إدارة ترامب الجنرال الأمريكي جيم ماتيس، وبعض الأسماء المرموقة في عالم التجارة والشركات الصحية مما يعزز من مصداقية المشروع والشركة بشكل عام.
بعد تقديم هذا التصور العام عن الشركة، جاء دور منظور الحوكمة ومن الفائدة أن نشير إلى لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة سوق المال حول تعريف مصطلح “حوكمة الشركات” وهي: قواعد لقيادة الشركة وتوجيهها تشتمل على آليات لتنظيم العلاقات المختلفة والمديرين التنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح، وذلك بوضع قواعد وإجراءات خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية في السوق وبيئة الأعمال.
غياب حوكمة مجلس الإدارة في هذه الشركة تتمثل في غياب القواعد الأساسية لقيادة الشركة وتنظيم العلاقات والسلطات بين أصحاب المصلحة. يتمثل ذلك في غياب الموضوعية والحياد في اتخاذ القرار، غياب المراجعة اللازمة لمدى تحقق استقلالية أعضاء مجلس الإدارة والتأكد من عدم وجود علاقات أو مصالح (مباشرة/غير مباشرة) تربطهم بالشركة، عدم تفعيل نظم الرقابة والمراجعة على الشركة ومديريها ، عدم تفعيل سياسة وإجراء الإبلاغ عن المخالفات whistleblowing، عدم تفعيل سياسة تضارب المصالح، عدم تفعيل سياسة الإفصاح، عدم تفعيل إجراءات مراجعة الالتزام والجودة، عدم تفعيل مدونة قواعد السلوك المهني وأخلاقيات العمل وعدم تفعيل توثيق الأعمال من خلال التقارير.
تمثل القصور الوظيفي في مجلس الإدارة بعدم الاطلاع على تقارير التحقق اللازمة من ممارسات وأنشطة الشركة بل اكتفى بتأكيدات رئيستها مما يجعله عرضة للتضليل.
أيضا أعضاء مجلس الإدارة لم يكونوا من ذوي الخلفيات في الطب أو علوم المختبرات أو القانون، لكي تساعدهم هذه المعرفة في فهم طبيعة وأنشطة وممارسة الصلاحيات في الشركة.
كان شرارة فضيحة الشركة بدأت من جانب “الإبلاغ عن المخالفات” من قبل تايلر شولتز الذي بدأ عمله في الشركة عام 2013 كمتدرب بعد التخرج من جامعة ستانفورد تخصص علم الأحياء.
بدأ تايلر العمل بدوام كامل في الشركة وسرعان ما اكتشف هذا الفساد حينما اكتشف أن بعض الأرقام التشخيصية المقدمة من الشركة في تقاريرها إلى أصحاب المصلحة مثل الشركات الأخرى والجمهور هي أرقام غير صحيحة.
قام تايلر بالإبلاغ عن المخالفات ولكن تعرض لردة فعل انتقامية من الشركة تتمثل في طلب تقديم استقالته دون الكشف عن هذا الاحتيال، ثم التهديدات القانونية بالمقاضاة من الشركة حيث استأجرت محققين لمتابعته شخصيا مما يعرض سلامته الفردية للخطر.
بالنظر إلى الاكتشاف السريع لتايلر لهذا الاحتيال، يعني أنه من السهل اكتشافه من قبل المدراء المختصين في الشركة حين تنفيذ مراجعات الالتزام والتدقيق والجودة والاختبارات ذات الصلة، ثم تطبيق الإجراءات التصحيحية والوقائية حسب طبيعة الحالة.
وهذا يمتد إلى مراجعة مدونة قواعد السلوك المهني وأخلاقيات العمل لأنها تضمن لأصحاب المصلحة خصوصا الداخليين وهم الموظفين ومدراءهم بتجنب التورط في ممارسات احتيال وأنشطة مشبوهة ولكن كل هذا لم يحصل.
أيضا القصور في تفعيل مصفوفة تفويض الصلاحيات والتي جاءت في الشركة على أنها قيادة مركزية مطلقة مما يعني غياب الصلاحيات للأعمال التنفيذية والتشغيلية بين مجلس الإدارة وبين الإدارة التنفيذية للشركة. ترأست هولمز رئاسة مجلس إدارة الشركة ثم تدخلت في أعمال التنفيذيين لدرجة أن التعيينات تتم على جميع المستويات الوظيفية من خلالها. طبعاً، ضعف هذا التنظيم يفقد الشركة الضوابط والمرونة والمساءلة اللازمة التي من شأنها أن تمنع الأنشطة الاحتيالية.
كل ما ذكر أعلاه، انتهاكات لمفهوم حوكمة الشركات مما أفقد الشركة المرونة وأدوات الرقابة والمساءلة. نتيجة ذلك، أدت إلى هذه الممارسات الاحتيالية ، التعرض إلى مخاطر المالية والسمعة وانهيار الشركة وخسارة المستثمرين لأموالهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال