3666 144 055
[email protected]
مؤخرا انتشرت مصطلحات قد تكون سمعتها لأول مرة او سمعت بها ولم تفهم معناها مثل شهادات الكربون، البصمة الكربونية، الحياد الصفري وغيرها.
ولفهم هذه المصطلحات لابد من استعراض المشكلة من الأساس.
تعاني الكرة الأرضية في السنوات الأخيرة من مشكلة ارتفاع درجة الحرارة والناتج من ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون والذي يشكل طبقة عازلة في الجو تحبس الحرارة داخل الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية وهذه الظاهرة تسمى الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى الغازات الدفيئة عن المستوى الطبيعي جاء نتيجة للتلوث الهائل الناتج عن أسباب كثيرة أهمها عوادم السيارات والمصانع ومخلفات الحيوانات وغيرها.
ومع إدراك الدول المتقدمة ونشطاء المناخ لخطورة استمرار الوضع على ما هو عليه بدأت الدعوات لخفض مستويات التلوث المناخي ومحاولة اعادتها لمستوياتها الطبيعية وذلك عبر تبني مبادرات مثل دعم استخدام الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتنمية الغطاء النباتي وإعادة التدوير وغيرها.
وفي عام 2015 اتفقت مجموعة من الدول تحت مظلة الأمم المتحدة على ما يسمى باتفاقية باريس للمناخ والتي تهدف الى تثبيت مستويات الغازات الدفيئة عند مستوى يسمح للنظام البيئي بالتكيف بصورة طبيعية مما يعني حماية الانسان والنبات والحيوان من اضرار الاحتباس الحراري.
تهدف الاتفاقية الى تبني الدول لمبادرات بيئية تساهم في خفض الانبعاثات الكربوينة بحيث تحدد الدول هدف محدد تسعى للوصول اليه ويتم تقييم اداء هذه الدولة دوريا لقياس مدى فاعلية المبادرات
اما مايعرف بالبصمة الكربوينة فهو المقدار الذي تنتجه دولة او شركة من انبعاثات كربونية فللكرة الارضية بصمة كربونية كما للدول والشركات بصمة خاصة فيها ويساعد تحديد هذه البصمة من معرفة الوضع الحالي وقياس مقدار التخفيض او الزيادة في هذه البصمة
تكمن الفكرة في تحديد الدولة لهدف معين من التخفيض تسعى الدولة عبر تفعيل كل السبل المؤدية لخفض الانبعاثات حتى تكون مساوية او اقل للهدف المحدد
يستطيع كل من ساهم في خفض الانبعاثات من خلال تبني اي مبادرة سواء زراعة اشجار او التحول الى الطاقة النظيفة او اي برنامج معتمد كمخفض للانبعاثات من اصدار شهادات كربونية تساوي مقدار الخفض الناتج من المبادرة ومن ثم يمكن استخدام هذه الشهادات لتغطية العجز عن الوصول للهدف المحدد او بيعها لأي كيان آخر لتغطية العجز لديه وتخضع هذه الشهادات في تسعيرها للعرض والطلب وتسمى هذه الشهادات أرصدة الكربون او سندات الكربون وجميعها لها نفس المعنى وهي ترجمات مختلفة لمصطلح (carbon credits) .
وفي عام 2017 اعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من هذه الاتفاقية وكونها من اهم الدول عالميا فقد فقدت الاتفاقية قوتها وتهاوت أسعار الشهادات وانخفض الالتزام الى ادنى مستوياته ولكن بعد تولي الرئيس بايدن عادت الولايات المتحدة الى الاتفاقية وعادت الأسعار تدريجيا الى مستوياتها الطبيعية وفي عام 2022 ازداد الاهتمام عالميا بهذه المشكلة مجددا مما جعل الأسعار تتحسن بشكل كبير خصوصا مع زيادة الطلب عليها لتغطية آثار ازمة الطاقة في أوروبا الناتجة عن الحرب بين أوكرانيا وروسيا والتي اضطرت الدول الأوروبية الى إعادة استخدام الوقود الاحفوري بشكل اكبر .
في المملكة العربية السعودية أعلنت الحكومة مبادرة طموحه تهدف الى الوصول الى الحياد الصفري او الكربوني في عام 2060 والحياد الصفري هو تساوي ما تنتجه الدولة من انبعاثات مع ما تخفضه من خلال المبادرات البيئية مثل التشجير والتدوير والطاقة المتجددة.
ومن المتوقع محليا وعالميا ازدياد الاهتمام بقضية البيئة وبالتالي ازدياد الاهتمام بشهادات الكربون ولذلك أعلن صندوق الاستثمارات العامة انشاء شركة لتداول شهادات الكربون وإقامة مزاد لتداولها في منتدى مستقبل الاستثمار الأخير وذلك يعتبر بمثابة الإعلان عن عزم الدولة الجاد لتحقيق الهدف ربما قبل 2060.
وما ينطبق على مستوى الدولة يمكن تطبيقه على مستوى الشركات بحيث يمكن قياس الانبعاثات الناتجة عن شركة ما مثل أرامكو وبالتالي تبني الشركة مبادرة بخفض انبعاثاتها او شراء شهادات كربونية لتغطية الانبعاثات الزائدة.
وفي الختام تعتبر هذه القضية البيئية مهمة من الناحية الإنسانية ولكنها أيضا تخفي ورائها فرص اقتصادية كبيرة في مجالات خفض الانبعاثات وتداول الشهادات.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734