الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبحت كرة القدم جزءًا لا يتجزأ من مسيرة الحضارة الإنسانية، وتعدَّت الترفيه لتصبح من احتياجات الحياة اليومية. ولأن التكنولوجيا بوصفها أحدث ما أنتجته العقول الإنسانية قد أَثْرَت في جوانب متعددة من الحياة، وهددت كلَّ مَن يتجاهلها أو ينعزل عنها بأن تطويه لصفحة النسيان؛ فلا شك أن كرة القدم هي الأخرى قد تأثرت بهذا التقدم التقني، وذلك المد الحضاري.
لم تعد كرة القدم متعة مشاهدة، ومتابعة متلهفة، وأهدافًا عشوائية، ونتائج متذبذبة، وكشافي مواهب فقط، وإنما تجاوزت ذلك لأن تصبح حسابات معقَّدة وآليات متداخلة، وأرقامًا لا تجامل أحدًا، وتنبؤات واحتمالات شبه مؤكدة. ولا نبالغ إن قلنا إن كرة القدم بشكلها الحالي أصبحت شِبه مؤتمتة إلى حد كبير!
ثمة دراسات تتنافس لإثبات دور مؤشر كتلة الجسم في إحراز ضربات الجزاء، وأخرى تتنبأ بمواضع سقوط الكرات من ركلات الزاوية (الركلات الركنية)، وثالثة تقوم على الربط بين القياسات الجسمية والمساهمة في مستوى إنجاز عناصر الأداء الحركي للاعبي كرة القدم، وقدرة اللاعب على القيام بالمراوغات والاستجابة لديناميكا اللعب، ورابعة تحلل الإيقاع الحيوي حول تسجيل ركلات الجزاء، وتدرس علاقة الدورات الأساسية الإيجابية برفع مستوى تسجيل الأهداف، وخامسة تتبنى أنموذجًا تنبؤيًّا للتصرف الخططي عبر تحليل التفكير المزدوج للاعبين، وسادسة ترصد كفاءة إدارة المباريات من خلال تنمية مهارات التواصل.
إذن لم يعد الأمر مراقبةً لصيقةً أو ملاحظةَ عينٍ. وإنما أبحاث موثَّقة، ودراسات مرجعية، ومراجعات أقران، ومعطيات وحقائق تتنبأ بالمستقبل والمستوى، وتصنع الفارق. إنه عِلم لا يقل أهمية عن علوم الإحصاء والجبر وعلوم الهندسة. فالكرة الآن تُخبِرنا بموقفها من خط التماس عبر شريحة الكترونية مزروعة فيها، وتقنية «VAR» التي تصحح الهدف أو تحكم بإلغائه، وقمصان خاصة للاعبين تقيس الحالة اللياقية والبدنية ومعدل ضربات القلب والمجهود العام وغيره من البيانات المتعددة.
ولا يحتاج المرء إلى استنتاج مرهق ليعرف أن التنبؤ في كرة القدم هو خطوة أساسية حاسمة قادمة في صناعة المستقبل ولا بد أن هذا المستقبل سيمر عبر بوابة الدراسات والتكنولوجيا، وأنه لا مجال للتراجع عن هذا الإنجاز، ولا سبيل للارتقاء في مجال كرة القدم إلا عبر استخدام هذه الأساليب والقراءات والتقنيات، والعمل على إثرائها، واستخدامها استخدامًا يطور المستوى ويحفز اللاعبين، ويصنع الفارق.
وقريبًا سيتميز مستوى الفريق – أي فريق – بمدى استخدامه وإتقانه لهذه المبادئ التي تصنع الفرص العالية (التنبُّؤ بأساليبه الصحيحة)!
بدأت كرة القدم هواية، وأصبحت نصف احتراف بواسطة عقود مكافآت وجوائز، ثم أضحت احترافًا.. والآن تعبر هذه الوجهة لتكون اقتصادًا كاملًا قائمًا على التسويق والإعلانات وصفقات اللاعبين والجذب السياحي وتعزيز المكانة الدولية. نعم كرة القدم هي القوة الناعمة الآن، وهي – إلى جانب التحول التكنولوجي- أصبحت مركزًا يسمح بالتدفق المالي، والمشاركة في الأسواق الاقتصادية. لذلك فإن إنشاء فرق محترفة ولاعبين مؤهلين في أكاديميات تعتمد العمل الاحترافي وتستخدم الأساليب الكمية كالتنبؤ والتقنيات الإدارية الحديثة والتدريب المقنن، يؤدي إلى إنشاء مورد مادي لا يقل أهمية عن الموارد الطبيعية، والاستثمار فيها يسمح بجني الثمار مبكرًا، وبحصد الربح الحقيقي، الذي يأتي من هتافات الجمهور، والحماس المدوي، وروح الملعب، التي لا شك أنها ستشكل روحًا رياضية في جميع مناحي الحياة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال