الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ساتقمص شخصيات المسؤولين في الأمانات والبلديات لاقول انني اعتقد ان لديهم قناعة راسخة، وهي أن الأمطار في السعودية موسمية، والكميات التي تنزل قليلة، وتصب بغزارة كل خمس سنوات أو تسع سنوات. وحينما تمتلئ بيوت الناس بالأمطار وتتلف ممتلكاتهم، تعوضهم بالمال، من خلال لجان تعمل في رصد الأضرار، وبالتالي فهي ليست في حاجة الى بناء شبكات لتصريف مياه الأمطار، وتدفع مليارات الريالات لمقاولين لا ينفذون المشروع على الوجه الصحيح، وتهدر المال العام دون أي فائدة، واراحت دماغها من تعيين مراقبين وموظفين لمتابعة أعمال مشروع تصريف مياه الأمطار، ووفرت على خزينة الدولة ميزانية مراقبين ومتابعين لمشروع لا يسمن ولا يغني من جوع.
بصراحة اتفق مع هذا الرأي اذا عممناه فعلا على المسؤولين في البلديات، واشد على أيديهم، وكل الأموال التي صرفت على مشاريع تصريف مياه الأمطار، هي هدر في المال العام، وان لم تصدقوا ما أقول، اخبروني ماذا تغير بعد حادثة أمطار جدة عام 2009، الشيء الوحيد الذي يفخرون به أهالي جدة، هو أن حادثة سيل جدة في ذاك العام، ساهمت في إنشاء جهاز مكافحة الفساد” نزاهه”.
أما على ارض الواقع وقعت أمانة جدة العديد من الاتفاقيات والعقود لتنفيذ شبكات لتصريف مياه الأمطار، واستبشرنا خيرا، وقلنا انه أخيرا سيخرج الأهالي وقت الأمطار للاستمتاع، إلا أن أهالي جدة تفاجأوا بالأمطار التي هطلت قبل أيام غير ملامح وجه شوارع عروس البحر الاحمر، وبقينا نتخيل المشروعات التي كانت تغلق شوارعنا لأشهر، والمبالغ التي كانت تصل الى مسامعنا لتكلفة المشروع، وكنا ننتظر من تسقط الأمطار من جديد.
حال مدينة جدة بعد تساقط الأمطار، تقابلها مدن أخرى تعيش نفس الظروف، وإتلاف ممتلكات الناس، سواء في المدن الجنوبية أو الشرقية وغيرها من المدن التي لا تتوفر فيها شبكات تصريف مياه الأمطار، وحتى الآن أنفقت البلديات على مشروعات الأمطار اكثر من 40 مليار ريال، بالله عليكم، ماذا ستستفيد البلديات من هذه المشروعات لأمطار لا تأتينا إلا في المواسم، حتى استعادة تكلفتها سيستغرق قرون.
سألت احد الأصدقاء وهو مهندس مدني، قلت له: ما هو تفسيرك لعدم نجاح شبكات تصريف مياه الأمطار، وغرق الأنفاق، صديقي مهندس مدني عاش فترة في لندن، يقول أن المخططات السكنية متباعدة وليست منتظمة أو مترابطة، والأمانات والبلديات، توسعت في عمل المخططات بشكل سريع قبل وصول الخدمات إليها من شبكات مياه والصرف الصحي وخدمات الكهرباء، ومرافق حكومية خدمية وما تحتاجه المخططات، وبالتالي سكن الناس قبل وصول الخدمات، والأمر الآخر، هو أن الكثير من المنازل لا تزال تقع في طريق مجرى السيل والوديان، رغم الكوارث المتعددة، الأمانات والبلديات لم تكلف على نفسها إخلاء بطون الأودية من هؤلاء السكان وتعويضهم في أماكن أخرى، أو الذين بنوا في طريق السيل، وحينما تهطل الأمطار، تدمر هذه الممتلكات والأرواح.
بصراحة كلام صديقي المهندس أقنعني، فقد شاهدت بنفسي، في الرياض وفي مدن أخرى، التباعد في المخططات السكنية ولمسافات طويلة، فمثلا تجد مخططا سكنيا وبعدها فجأة تجد أرضا خالية لمسافة طويلة، وطريقا مظلم إذا كنت تسير بالليل، وبعدها تظهر أمامك مخططات سكنية ومحلات تجارية. وهناك مدن أخرى متشابهة، فكيف بالله تستطيع الجهات الخدمية إيصال الخدمات والحفر، طالما هي مخططات متقطعة وليست موصولة.
وأيضا كود البناء يتطلب وضع اشتراطات البناء بحيث وقت الأمطار تكون آمنة على سكانها والأخرين والمارة، مثلا ارتفاع مستوى سطح الدور الأول لمنع دخول مياه الأمطار الى تلك المنازل، وأيضا عمل تمديدات من الأنابيب من اعلى السطح الى الأسفل، بدل من تساقطها العشوائي، وعمل خزان إضافي تتجمع فيها مياه الأمطار، وهكذا يكون في كل منزل خزان إضافي لتجميع مياه الأمطار، البلديات أمامها مسؤوليات أخرى غير مشاريع شبكات تصريف مياه الأمطار التي لم تنجح، وهي وضع الاشتراطات السكنية الواقية من مياه الأمطار، وتكون ملزمة لكل الملاك، وترتبط هذه الاشتراطات بالغرامات إن لم تنفذ من قبل الملاك، الغاية من هذه الشروط هو وضع حد لمخاطر الأمطار والسيول، وان تتحرك مع البلديات جهات أخرى مثل الدفاع المدني والكهرباء وشركات المياه الوطنية واي جهة معنية بأضرار السيول والأمطار.
رحلتنا في هدر المياه وعدم الحفاظ عليها تمتد الى أكثر من 40 عاما، فمصادر المياه لدينا تعتمد على المياه السطحية والجوفية، والحمد لله أهدرنا كميات هائلة وسجلت انخفاض كبير، وبقينا عقود نسقي محصولاتنا الزراعية بطريقة غير مقننة، ونستهلك المياه بطريقة فوضوية، حتى بعد خصخصة المياه لم تصل الى كل المدن والمناطق والأحياء، ولا يزال الناس يستخدمون مياه الآبار في منازلهم، والسعودية من البلدان التي تعاني من مشاكل في وفرة المياه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال