يختصُّ هذا الجزء الثالث والأخير من مقالنا عن استغلال أموال المستثمرين في المحافظ التي يُدِيرُهَا مديرٌ ماليٌّ بالنيابة عن العميل في فكرةٍ دقيقةٍ؛ وهي استخدام المدير المالي لمؤسَّسةٍ فرديةٍ في عملية الاستغلال.
نَقصِدُ بالمؤسَّسة الفردية في هذا المقال أية منشأةٍ مملوكةٍ لفردٍ واحدٍ.
حيث يمكن للمدير المالي أن يستغلَّ أموال عملائه بشكلٍ مباشرٍ باسمه أو عبر أشخاص طبيعيين مُسَخَّرِينَ منه، إلاَّ أنَّه إذا استخدم مؤسسةً فرديةً مستقلةً ذات شخصيةٍ اعتباريةٍ عنه، فإنَّه يحقق غايات غير مشروعة عديدة، أهمُّها:
- أنَّ المدير المالي يُبعِدُ النظر عنه لأنَّ المؤسَّسة الفردية ستكون مَمْلُوكَةً له بالخفاء، فيما يَمتلِكُهَا قيداً أمام الجمهور شخصٌ آخر مُسخَّرٌ منه. بينما يمكن اكتشاف العلاقة بين المدير والأشخاص الطبيعيِّين بسهولةٍ من خلال علاقات القرابة أو العمل أو غيرها من المصالح المشتركة.
- أنَّ المدير المالي يستطيعُ تنفيذ عمليات استغلال ذات قيمٍ ماليةٍ ضخمةٍ من خلال استغلال ذمة المؤسَّسة الفردية، وذلك لأنَّ المؤسَّسات تتعامَل في السوق بأرقامٍ أكبر من الأشخاص الطبيعيِّين عادةً.
- أنَّ المدير المالي يستطيعُ تنفيذ عمليات تلاعب بالأسعار أوسع نطاقاً، وأعمَقُ تأثيراً في السوق المالية، بالنظر إلى ارتفاع أحجام عمليات التداول وارتفاع قيمَتِهَا، وعمق تأثيرِهَا في اتِّجاه التداول السوقي.
- أن المدير المالي يستطيع تغطية استغلاله من خلال نشاط المؤسَّسة الفردية؛ فقد يقوم بتدوير أموال المؤسَّسة حتى يتمُّ تمويه مصدر الأموال التي تكون من محافظ العملاء.
- كما أنَّ المدير المالي يستطيع استغلال نشاط المؤسَّسة الفردية حتى يُظهِرَ عمليات البيع والشراء من وإلى محافظ عُمَلائِهِ على أنَّها تَدخُلُ في نشاط هذه المؤسَّسة، كأن تكون شركة غذائية فيقوم بالتركيز على الأسهم المحفوظة في محافظ عملائِهِ الصادرة من شركات المساهمة ضمن قطاع الأغذية.
- أنَّ المدير المالي يمكن أن يَدخُلَ في تحالفاتٍ واتفاقياتٍ سريةٍ مع شركات تداول مُرخَّصة؛ مثل شركات الوساطة أو صنَّاع السوق، كلُّ ذلك حتى يتمَّ تمييز معاملة المؤسَّسة الفردية التي يجعلُهَا واجهةً مَخِفيَّةً لاستغلال أموال عملائِهِ؛ وبهذه الطريقة بقوم المدير بتبادُلِ المصالح غير المشروعة مع كياناتٍ استثماريةٍ مؤسَّساتيةٍ في السوق.
- أنَّ المدير المالي يَستطيعُ تغليفَ عمليات الاستغلال غير المشروعة لمحافظ عملائِهِ ببعض النشاط الخيري أو بتوفير فرص العمل من خلال مؤسَّسته الفردية هذه؛ كلُّ ذلك حتى يثوم بتبييض صورة المؤسَّسة ويَجعَلُهَا في منأى عن الأنظار والرقابة.
لذا، فقد صَدَرَ مؤخَّراً تعديلٌ حديثٌ للكتاب رقم (7) الخاص بأموال العملاء الصادر من هيئة أسواق المال، وقد تضمَّن هذا التعديل حظراً صريحاً لإنشاء أية محافظٍ استثماريةٍ تَعُود ملكيَّتُهَا لمؤسَّساتٍ فرديةٍ (مادة 5-4-2/2 كتاب 7 بعد قرار التعديل الصادر من الهيئة بتاريخ 16-10-2022).
يُعتَبَرُ هذا الحظر خطوةً مُتقدِّمةً لمكافحة استغلال أموال العملاء، لكن هذا الحظر ينطوي على بعض الغموض والتساؤلات.
فمَن تقصد الهيئة بالمؤسَّسات الفردية؟ هل تتضمَّن المؤسَّسات ذات الملكية الفردية أم شركات الشخص الواحد؟
في الواقع، طالما أنَّ الغاية من الحظر عدم استغلال الذمة المالية للمؤسَّسة، فيجب بديهياً أن تكون المؤسَّسة ذات شخصيةٍ اعتباريةٍ مستقلةٍ عن المدير المالي، ذلك إذا نظرنا إلى الموضوع في إطار إشكالية استغلال أموال العملاء.
لكن التساؤل الأهم هل يَشمَلُ حظر إنشاء محافظ للمؤسَّسات الفردية تلك المحافظ التي تُدِيرُهَا المؤسَّسة ذاتُهَا؟ أم إنَّ الحظر قد اقتَصَرَ على المحافظ التي يُدِيرُهَا مديرٌ خاصٌّ؟
الحقيقة أنَّ نصَّ التعديل جاء في بند المحافظ التي يُدِيرُهَا مديرٌ خاصٌّ بالمحفظة، ومن الواضح أنَّ الهيئة كانت تَرغَبُ بسدِّ الطريق أمام استغلال المدير لمحافظٍ مملوكةٍ له بشكلٍ غير مباشرٍ عبر مؤسَّسات فردية في عمليات التداول.
إلا أنَّ المؤسَّسة الفردية تَستَطِيعُ إدارة محفظة أوراقٍ ماليةٍ خاصة بها، فهذا النوع من المؤسَّسات غيرُ محظورٍ من التداول، أي أنَّ شركة الشخص الواحد تستطيع فتح حساب لدى وسيطٍ ماليٍّ مُرَخصٍ، وتقوم بالتداول بيعاً وشراءً في محفَظَتِهَا التي تعود ملكيَّتُهَا للشركة، والتي هي مملوكةٌ لشخصٍ واحدٍ بطبيعة الحال.
بناءً عليه، فإنَّ حظر إدارة المحافظ المالية للمؤسَّسات الفردية يجب أن يُرَافِقُهُ حظرٌ آخرٌ أكثر صرامةً، وهو يَتَمَثَّلُ بالمقترحات التالية:
- حظر إنشاء أية حسابات تداولٍ لمؤسَّساتٍ فرديةٍ؛ أي تلك المؤسَّسات التي تَعودُ ملكيَّتُهَا لشخصٍ واحدٍ.
- حظر إدارة أية محافظٍ تَعودُ ملكيَّتُهَا لمؤسسِّاتٍ فرديةٍ.
- حظر الاستفادة غير المباشرة لأية مؤسَّسةٍ فرديةٍ من أية محفظةٍ استثماريةٍ مملوكةٍ لطرف آخر؛ ويكون ذلك برقابة أصل ملكية أيِّ حسابٍ تداوليٍّ يتمُّ إنشاؤه من أية شركةٍ إذا كان من ضمن الشركاء المؤثِّرين فيها شركةُ شخصٍ واحدٍ تَمتَلِكُ نسبة ملكيةٍ تَسمَحُ لها باختيار أعضاء مجلس الإدارة مثلاً.
- وضع حدود تفويض العميل للمدير وفق مَصَالِحِهِ؛ حتى لا يَستطِيعَ المدير استغلال صلاحياتٍ زائدةٍ في مصلَحَتِهِ الشخصية.
- تأسيس لجان رقابة ماليةٍ في الهيئة بحيث تكون خاصَّةً بالمؤسَّسات الفردية؛ خوفاً من تسخِيرِهَا لمؤسَّساتٍ غير فرديةٍ حتى تتجنَّب الحظر المُشار إليه في الفقرات السابقة، وهكذا تكون مهمَّة هذه اللجان البحث في أصل ملكية الحصص أو الأسهم في المؤسَّسات ذات النشاط التداولي المؤثر في السوق، خاصة تلك التي تتعامل بشكل مكثف مع محافظ مالية يديرها مدير مالي نيابةً عن المستثمر مالِك المحفظة.