الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يَعِيشُ اقتصاد المملكة مرحلةً استثنائيةً من الانتعاش، مدفوعاً بالدفعة الإيجابية التي تَلَت التعافي من آثار كوفيد-19، ومروراً ببدء ظهور مراحل الرؤى الاستراتيجية للدولة على أرض الواقع.
لكن العامل الإيجابي المُفَاجئ، كان ارتفاع أسعار النفط الخام منذ مارس 2022؛ حيث إنَّ إيرادات النفط سجَّلت نموَّاً جوهرياً، وارتفعتْ معها المؤشِّرات الاقتصادية الإيجابية.
وقد أَصدَرَتْ وزارة المالية مؤخَّراً، بياناً تمهيدياً للميزانية المالية للدولة عن العام 2023، وقد تَوَقَّعَ هذا البيان أن يَنتَهِي عام 2022 بتحقيق نموٍّ قد يتجاوز 8% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (البيان، صفحة 5)، وهو رقمٌ استثنائيٌّ من حيث النموِّ حتى على المستوى العالمي.
دَفَعَتْ هذه الظروف المُحلِّلينَ إلى المزيد من التفاؤل بخصوص الاقتصاد السعودي، حتى أنَّ وزارة المالية باتت تتحدَّث بشكل أكثرَ تفصيلاً، ليس فقط عن مشاريع التنمية، بل أيضاً الاستدامة المالية؛ أي التوجُّه نحو ضمانِ مواردٍ ماليةٍ مُستَدَامَةٍ (البيان، الصفحة 7).
لكن إذا أردنا النظر بشكلٍ علميٍّ إلى الواقع الاقتصادي الذي يَعكِسُهُ البيان التمهيدي للعام المالي 2023، علينا هنا التركيز على عامِلَيْن أحدُهُمَا إيجابي والآخر سلبي، وهما:
فهنا لن يَستَفِيدَ الموظف بدخلٍ ثابتٍ مثلاً من نموِّ راتِبِهِ بنسبة 3% إذا كانت نسبة التضخُّم قد تراوح نسبة 2.6% وفق توقعات البيان التمهيدي لوزارة المالية (البيان، الصفحة 5)، فإذا كان راتب الموظف 15 ألف ريال شهرياً، وحصل زيادة 3% من راتِبِهِ أي 450 ريال، فلن يَستَفِيدَ هذا الموظف من زيادة راتِبِهِ شيئاً إذا وصل التضخُّم إلى نسبة 3% تقريباً، لأنَّ مصروفَهُ سيَزِيدُ بنفس مقدار زيادة الأسعار لذات السلع والخدمات التي يَحتَاجُهَا شهرياً.
والمشكلة الواقعية، أنَّ ارتفاع معدلات النمو بشكلٍ صادمٍ، يمكن أن يَتَرَافَقَ عادةً مع ارتفاعٍ مضطردٍ بنسبة التضخُّم، والسبب أنَّ تجَّار السلع والخدمات قد يَمِيلُونَ إلى رفع الأسعار؛ بالنظر إلى تحسُّن مستوى المعيشة وزيادة نمو دخل الأفراد.
هذا بالنسبة للظروف الداخلية، أمَّا على المستوى الدولي فحدِّث ولا حرج عن ارتفاعاتٍ مخيفةٍ في معدلات التضخُّم بعد مارس 2022، خاصَّة على أسعار الغذاء والطاقة؛ ممَّا نشر حالةً عالميةً من خفض التوقُّعات حول مستقبل الاقتصاد الدولي (بيان وزارة المالية، الصفحة 9).
وبِغَرضِ الحفاظ على قيمة نمو اقتصاد المملكة سواءً الآتي بشكلٍ متوقَّعٍ واعتياديٍّ أو الحاصل بشكل استثنائي جرَّاء الصدمة الإيجابية، وبهدف حماية هذه الموارد الوطنية من تآكل القيمة بفعل التضخُّم؛ يمكننا اقتراح كل ممَّا يلي:
وعلى صعيد الموارد المفاجئة بشكل خاص، فيُفتَرَضُ أن تتناسب سرعة استثمارها واتِّساع هذا الاستثمار مع سرعة تنامي هذه الموارد.
أمَّا إذا تم الاحتفاظ بموارد النمو على شكل مُدَّخراتٍ نقديةٍ سائلةٍ، فإن التضخُّم سيَسْحَبُ قيمَتَهَا شيئاً فشيئاً كلَّما ارتفعتْ معدَّلاته أكثر فأكثر.
وفي الختام، تُعتَبَرُ زيادة الموارد ثروةً وطنيةً، ليس فقط على المستوى المالي والاقتصادي، بل حتى على مستوى نجاح التجربة الإدارية وثقافة الحوكمة؛ الأمر الذي يُظهِرُ ضرورة تكثيف الجهود لحماية هذه الثروة عبر نجاح توظِيفِهَا ودرءِ خَطَرِ التضخُّم عنها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال