الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أشار بيان الميزانية العامة 2023 في البداية إلى أن مؤشرات الميزانية الفعلية للعام 2022 شهدت تحسناً ملحوظاً إذ حققت فائضاً كبيراً بنحو 102 مليار ريال، وهو أعلى فائض قد تم تحقيقه منذ عام 2013، والذي جاء بعد تحقيق عجز مالي بمقدار 73 مليار ريال بنهاية عام 2021. كما جاء هذا البيان أيضاً ليشير إلى توقعات استمرار التحسن في أداء المالية العامة خلال العام القادم 2023 بتحقيق فائض مالي يتسم بالتحفظ ويقدر بنحو 16 مليار ريال فقط. ويعكس هذا البيان حالة التقدم على مسار برنامج الاستدامة المالية ليسبقه بتحقيق فائض في عام 2022 قبل سنتين من التقديرات الأولية الذي حدد في عام 2024. وفي حين جاء هذا التحسن في إجمالي الإيرادات على خلفية ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج خلال العام الحالي، إلا أن ذلك كان أيضاً مقترناً ببرامج إصلاح سياسة المالية العامة والذي من أبرزها برنامج التوازن المالي الذي يهدف إلى خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية التي دائماً ما تكون عرضة للتقلبات الحادة من ناحية وأيضاً تنويع الإيرادات غير النفطية نحو تحقيق الاستدامة المالية من ناحية أخرى.
وقد ساهم هذا البرنامج في زيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى نحو 30% حيث تم تقديرها بعد احتساب الإيرادات غير النفطية خلال الثلاثة أرباع من العام وكذلك أرقام الميزانية الفعلية للعام 2022، بعد أن بلغ متوسط هذه الإيرادات نحو 11% فقط خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2015، وشكلت حينها الإيرادات النفطية خلال تلك الفترة حوالي 89% من إجمالي الإيرادات. كما أدت برامج إصلاح المالية العامة ليس فقط في خفض إرتباط سياسة المالية العامة للدولة بحجم الإيرادات النفطية التي هي عرضة لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية كما شهدنا هذا العام الحالي، وإنما أيضاً في أهميتها من ناحية تقليل تأثير صدمات أسعار النفط على اقتصاد المملكة العربية السعودية، (الرسم البياني رقم 1).
لقد حققت إجمالي الإيرادات الفعلية للعام 2022 ارتفاعاً بنسبة 9.0% بالمقارنة مع الإنفاق الفعلي لعام 2021 ونحو 18.5% عن تقديرات الميزانية المعتمدة، لتبلغ 1.13 تريليون ريال. ويعود هذا التحسن في جانب إجمالي الإيرادات للعام 2022 بشكلٍ أساسي إلى ارتفاع الإيرادات الأخرى، التي تشكل الإيرادات النفطية فيها الحصة الكبرى وأيضاً تشتمل على الأرباح من استثمارات الحكومة، ومبيعات السلع والخدمات، إضافة إلى الجزاءات والغرامات، حيث يقدر أن بلغت نحو 919 مليار ريال لعام 2022، لترتفع بنسبة 41.8% بالمقارنة مع 2021، وشكلت 74.5% من إجمالي الإيرادات. وأما بخصوص إيرادات الضرائب فقد تراجعت بنسبة 1% عن العام الماضي لتبلغ 315 مليار ريال، إذ جاء هذا الانخفاض نتيجة تراجع إيرادات ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 2.7% لتصل إلى 245 مليار ريال. وفيما يخص الإيرادات النفطية فإنها جاءت في بداية العام استمراراً للتطورات الإيجابية التي شهدتها أسواق النفط ابتداءً من النصف الثاني في 2021 من ارتفاع الطلب العالمي بعد انحسار أزمة كورونا وتوجه الاقتصاد العالمي إلى التعافي الذي يقدر نموه بنسبة 6% حسب توقعات صندوق النقد الدولي، (الرسم البياني رقم 2).
وعلى إثر هذه التطورات اتخذت المملكة قرارها ضمن اتفاق مجموعة أوبك وحلفائها إبتداءً من يوليو 2021 بالتخلي التدريجي عن خفض الإنتاج وكذلك بالتخلي عن خفضها الاختياري المقدر بنحو 1 مليون برميل، حيث استمر إنتاج المملكة في الزيادة ليبلغ متوسط إنتاج النفط منذ بداية العام 2022 وحتى أكتوبر 10.6 مليون برميل يومياً، ليرتفع بنسبة 18% عن مستواه لنفس الفترة من العام الماضي. وفي ذات الوقت جاء هذا التحسن بشكل أكبر من خلال ارتفاع مستويات أسعار النفط على إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية رغم توقعات صندوق النقد الدولي بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% للعام 2022 في ظل حالة عدم اليقين والتحديات الجيوسياسية و تشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية لمكافحة التضخم، حيث بلغ سعر متوسط خام برنت 102 دولار حتى شهر أكتوبر 2022، ليرتفع بنسبة 46% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، (الرسم البياني رقم 3).
الرسم البياني رقم 3: مستويات إنتاج النفط في المملكة وأسعار النفط العربي الخفيف
إن التحديات الاقتصادية التي فرضت نفسها في عام 2022 ابتداءً من مستويات التضخم المرتفعة ومن ثم تشديد السياسة النقدية وأثرها على أسواق المال واضطرابات أسواق الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين لا شك أن آثارها سوف تمتد خلال العام القادم 2023. و كما يتضح أيضاً فإن أسعار النفط والغاز الطبيعي قد تجاوزت قيمها الذروة، على الرغم من أن العوامل الجيوسياسية تلعب دورًا رئيسيًا إذ لا زالت الحرب الروسية الأوكرانية تترك أوروبا في حالة محفوفة بالمخاطر حول امدادات الطاقة. ولذا قام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي للعام 2023 إلى 2.7%. وعلى أساس هذه التطورات جاءت تقديرات إجمالي الإيرادات في الميزانية العامة للعام 2023 منخفضة بنسبة 8.4% عن مستواها الفعلي في 2022، إذ يعود هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى بند الإيرادات الأخرى الذي يشتمل على الإيرادات النفطية والأرباح من الإستثمارات الحكومية ومبيعات السلع والخدمات وكذلك الجزاءات والغرامات، حيث يقدر حسب بيان الميزانية أن ينخفض بنسبة 12.1% ليبلغ 808 مليار ريال. وعلى افتراض أن الفئات الأخرى في هذا البند باستثناء الإيرادات النفطية لن يحدث فيها تغيير يذكر من زيادة أو نقصان إذ أنها في الغالب تبقى مستقرة نسبياً وتشكل نحو 10%، فإنه من المرجح أن يكون معظم هذا الانخفاض الذي يقدر بنحو 111 مليار ريال قد جاء في الإيرادات النفطية.
وإذا ما احتسبنا هذا النقصان (111 مليار ريال) من مستوى الإيرادات النفطية للعام 2022، فإنه من المتوقع أن تكون الإيرادات النفطية للعام 2023 قد قدرت بنحو 720 مليار ريال. أيضا، إذ أخذنا في الاعتبار انخفاض إنتاج النفط في المملكة بنسبة 3% إلى نحو10.3 مليون برميل يومياً وأن يبلغ متوسط الصادرات النفطية نحو 7.7 مليون برميل يومياً في ظل توقعات الطلب العالمي على النفط للعام 2023 الذي يقدر أن يصل إلى نحو 102 مليون برميل يومياً، فإنه من المتوقع أن يكون السعر الإفتراضي الذي قدرت عليه الإيرادات النفطية يكون حول مستوى 70 دولار للبرميل، والذي يمثل مستوىً متحفظاً بالمقارنة لتوقعات العديد من المؤسسات البحثية والبنكية بأن يتجاوز متوسط سعر خام برنت 90 دولاراً للبرميل. ولكن قيام الحكومة بافتراض سعر متحفظ للنفط في تقديرات الميزانية بأقل من السعر السائد حالياً والمتوقع خلال العام القادم سوف يساعدها على تحقيق التوازن ما بين المصروفات والإيرادات بمرونة أعلى في حال ما اتخذت أسعار النفط أي اتجاهات سلبية وبالتالي التقليل من آثار ذلك على أولويات الإنفاق المحددة ضمن رؤية 2030 وكذلك على الاستدامة الاقتصادية، مستفيدة من تجارب الماضي القريب والبعيد التي كانت تحدثها تقلبات أسعار النفط المفاجئة.
وأما بخصوص إيرادات الضرائب المتحققة للعام 2022 فإنها جاءت انعكاسا للإجراءات الضريبية الاستثنائية برفع ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% والتي أدخلتها الحكومة لتعزيز الإيرادات غير النفطية بعد التراجع الحاد في أسعار النفط في أبريل العام 2020 وذلك ابتداءً من يوليو 2020 إلى جانب زيادة الرسوم الإدارية وغيرها من الإصلاحات المالية التي جاءت ضمن برنامج التوازن المالي 2020 بهدف تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية. وقد بلغت إيرادات الضرائب على السلع والخدمات 245 مليار ريال، حيث شكلت الحصة الكبرى من الضرائب بنسبة 78.8% وأيضاً نسبة 19.9% من إجمالي إيرادات الميزانية. و بخصوص الضرائب الأخرى والتي منها الزكاة فقد ارتفعت بنسبة 3.4% على أساس سنوي لتبلغ 30 مليار ريال، و مثلت ما نسبته 9.5% من إجمالي إيرادات الضرائب 2022. وأما الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية فقد شهدت ارتفاعا بنسبة 23.6% ليبلغ إجماليها 22 مليار ريال وتشكل نحو 7% من إجمالي إيرادات الضرائب، في حين أن فئة الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية قد انخفضت بنسبة -4.9%، حيث بلغت 17 مليار ريال.
أما بخصوص النفقات، فقد ارتفعت بنسبة 18.5% عن التقديرات الأولية في الميزانية للعام 2022، لتبلغ 1132 مليار ريال، حيث ساهم في ارتفاع الطلب على السلع والخدمات وهو ما انعكس إيجابًا على معدل النمو الاقتصادي لهذا العام الذي شهد تحسناً ومن المتوقع أن يصل الى 8.5% حسب تقديرات وزارة المالية. إلا أن البيان أشار إلى انخفاض تقديرات إجمالي النفقات للعام 2023 بنسبة 1.6% عن توقعات 2022 لتبلغ 1114 مليار ريال، حيث جاء الانخفاض الأكبر في بند السلع والخدمات (النفقات التشغيلية) بنسبة -8.4% ليبلغ 218 مليار ريال في عام 2023. ويليه من حيث حجم التراجع بند مصروفات أخرى لينخفض بنسبة 8.5% ويبلغ 96 مليار ريال للعام 2023. أما بند نفقات المشاريع الرأسمالية فقد حقق زيادة كبيرة بنسبة 29.2% في عام 2022 بالمقارنة مع الإنفاق الفعلي لعام 2021، ثم تم زيادة المخصص لهذا البند بنسبة 4% في ميزانية 2023 ليبلغ 157 مليار ريال. كما ارتفع بند نفقات التمويل بنسبة 21.9% ليبلغ 39 مليار، وذلك لخدمة سداد الدين العام، الذي ارتفع إلى 985 مليار ريال بنهاية 2022، وكذلك إلى زيادة كلفة السداد في بعض الإصدارات المقومة بأسعار فائدة متغيرة.
وخلاصة القول فقد أدى هذا التحسن الذي شهدته أسعار النفط خلال العام الحالي وتوقعات استمرار التحسن للسنة القادمة إلى جانب زيادة تنويع الإيرادات غير النفطية كما جاء أعلاه ليس في إرتفاع إجمالي الإيرادات للعام 2022 فقط، وإنما في ارتفاع النفقات عن التقديرات الأولية في الميزانية وفي تحقيق فائض مالي بلغ 102 مليار ريال في نهاية 2022 مقارنة مع تقديرات الميزانية الأولية بنحو 90 مليار ريال.
وهذا ما أدى بالتالي إلى تحقيق فائض بنسبة 2.6% إلى الناتج المحلي الإجمالي. كما أشار بيان الميزانية أيضاً إلى تحقيق فائض مالي بمقدار 16 مليار ريال، وأن تبلغ نسبته إلى إجمالي الناتج المحلي نحو 0.4% في عام 2023. وقد انعكست هذه التطورات الإيجابية على توقعات الدين العام للعام القادم التي جاء الدين العام فيها منخفضاً إلى مستوى 951 مليار ريال وأن تتراجع نسبته للناتج المحلي من 24.9% في عام 2022 إلى 24.6% 2023، ليعزز بذلك مسار الاستدامة المالية، (الرسم البياني رقم 4).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال