3666 144 055
[email protected]
أكدت زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للمملكة على وجود إرث من الجهد المشترك لبناء ثقة متبادلة قوية استغرقت عشرات السنين، والتي شهدت العديد من دعم المواقف العادلة في المحافل الدولية، والشراكات التجارية وتبادل المنافع والزيارات، فليس بالسهولة صناعة شراكات حقيقية وعميقة مع الصين الذي له معاييره الصلبة في هذا الخصوص، وكذلك المملكة التي ترحب بتطور العمل المشترك، ولكن في المقابل لا تسمح أبدا بأي مزايدات على مبادئها وقيمها.
أخذت هذه الزيارة زخما كبيرا على مستوى البلدين والمنطقة والعالم نتيجة استضافة الرياض الأسبوع الماضي لثلاث قمم مهمة، تصدرتها القمة السعودية الصينية، ثم الخليجية الصينية، والعربية الصينية، وهذا يعطي رسالة للعالم بمدى عمق وعي وإدراك الصين لأهمية المملكة ومكانتها دوليا وفي المنطقة العربية تحديدا، وقد أظهر الرئيس الصيني جديته – في مقالة له نشرت على صحيفة الرياض السعودية في 8 ديسمبر 2022 – في تقوية وتعميق العلاقة بالمملكة والمنطقة، حيث وصف علاقة الصين بالعرب بأنها “صداقة ممتدة لآلاف السنين وجذورها ضاربة في أعماق التاريخ”، وأن الصين يعتبرهم “قوة مهمة للدفاع عن العدل والإنصاف الدوليين”، ومهم العمل معهم “في ظل التغيرات غير المسبوقة التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة”.
يدرك الصين مكانة المملكة السياسية لما لها من مصداقية عالية وموثوقية يمكن الاعتماد عليها دائما، خاصة أن المملكة معروف عنها أنها صمام أمان دائما، والعالم يستمع لها ويستجيب لمبادراتها في مجالات مختلفة، ومطمئن لمدى مواءمة رؤيته الاقتصادية التي تدور حول مبادرة “الحزام والطريق” – وهي البنية الأساسية للتجارة الصينية المعتمدة على الممرات البرية والبحرية – ورؤية المملكة التي تتضمن ربط القارات الثلاث اعتمادا على موقعها وقدراتها اللوجستية من خلال موانئها البحرية (خاصة ميناء الملك عبد الله العالمي وجازان ثالث أكبر موانئ المملكة على البحر الأحمر) التي توصل الصين بدول جنوب أوروبا وعمق إفريقيا، وشبكة طرقها ومنافذها البرية لدول المنطقة العربية.
كما أن وزن المملكة الاقتصادي يخدم الصين في تحقيق أهدافه الاستراتيجية بعيدة المدى، والتي وضعت قيد التنفيذ في عام 1978م والمتضمنة للإصلاح الزراعي والتطوير الإداري ومحاربة الفساد وتركيع التشريعات لصالح الاستثمارات والتحفيز الضريبي والانفتاح على العالم، وهذا تسبب في جذب الاستثمارات الخارجية وتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية، فبعدما كان مجمل إنتاج الصين المحلي في ذلك الوقت لا يتجاوز 150 مليار دولار، وصل اليوم إلى أكثر من 17 ترليون دولار وليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
بالرغم من هذا الإنجاز المبهر، يظل الصين بحاجة لاقتصادات يمكن الاعتماد عليها للمحافظة على مكتسباته واستقلاله وأيضا تجنيبه جزء من تبعات مخاطر مستقبلية مثل احتمالية الانهيار المالي العالمي نتيجة مواجهة أكثر من 50 دولة خطر الافلاس، واقتصاد المملكة يقدم هذه الميزة، لا سيما بعد الشراكات الناجحة بين البلدين في مشاريع مصافي تكرير النفط ومصانع البتروكيماويات، مما يشجع وبكل طمأنينة لمزيد من التعاون خاصة مع الكيانات العملاقة مثل أرامكو كأهم مورد موثوق للنفط إلى الصين الذي يعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم وصناعاته تعتمد على هذه السلعة الاستراتيجية، وصندوق الاستثمارات العامة، والتعدين والصناعات وتقنية الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر.
في ظل حالة عدم اليقين الذي يعيشه العالم بينما يعيد تشكيل نفسه ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، ينظر الصين للمملكة كقيادة حكيمة وكبيرة يثق فيها الجميع في المنطقة الوسيطة بين الشرق والغرب، وأيضا مصدر النفط الآمن لصناعاته، وبوابة واسعة له لدخول أكبر سوق في المنطقة بخطط طموحة وبسلسلة طويلة وعريضة من المشاريع الضخمة التي يتطلع أن يشارك فيها الكثير، ومنافذ برية آمنة لأسواق المنطقة بأسرها، وبحرية للوصول بسهولة لأسواق ضخمة مثل دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وقلب القارة السمراء من خلال القرن الإفريقي.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734