الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشرت إحدى الشركات المتخصصة في الاستشارات عالمية تقريرًا مفاده أن أحد البنوك طوّر برنامجًا بالذكاء الاصطناعي، ليسهم في كشف محاولات الاحتيال في عمليات البطاقات الائتمانية. البرنامج يفحص العمليات ويُصنِّفها إلى أحد قسمين: إما “سليمة” فيمررها، أو “احتيال” فيوقفها على الفور، والهدف من البرنامج تقليل خسائر البنك من عمليات البطاقات الائتمانية المزورة.
التقرير أشار إلى أن البنك أنفق مبالغ كبيرة تُقدّر بالملايين لتطوير هذا البرنامج، ووصل البرنامج في التجارب المختبرية إلى نسبة عالية جدًا في دقة تصنيف العمليات ليؤهله للاستخدام الفعلي، ومع ذلك فبعد فترة قصيرة من إطلاق البرنامج للتشغيل الفعلي، سحبه البنك من الخدمة، لأن سرعة استجابته كانت أبطأ كثيرًا من المقبول، وتسبب في تعطيل عمليات البطاقات الائتمانية. وهكذا فرغم جهود البنك، وإنفاقه الكثير من الأموال على البرنامج، فقد خسر البنك استثماره في تلك التجربة.. تُرى لماذا حدث ذلك؟
أن توظيف الذكاء الاصطناعي عبارة عن سلسلة متكاملة متجانسة، تبدأ بالاستراتيجية وتحديد الهدف، مرورًا ببناء تطبيقات بالتسلسل العملي للاستخدام، ونهاية بتوفير ما يلزم من موارد حاسوبية لتشغيل البرامج. أخطأ البنك وخسر استثماره لأنه لم يراع التكامل في هذه السلسلة، وتحديدا تحديد مواصفات الحل، ومنها الوقت المطلوب لتصنيف العمليات الائتمانية. بناءً على هذا التحليل يتم تحديد احتياجات الموارد الحاسوبية المطلوبة ودراسة توفرها من عدمه او إذا كانت الموارد المطلوبة عملية اقتصاديا او حتى منطقية أصلا.
أنا فخور بالزخم الهائل والمبادرات والمؤتمرات حول الذكاء الاصطناعي وفخور جدًا بإنشاء شركة (SCAI) للذكاء الاصطناعي في مملكتنا الحبيبة، خاصة ان من أهدافها المساهمة في بناء أسس القطاع لإطلاق قيمة مستدامة لجميع أصحاب المصلحة في المملكة والعالم وابتدأت نشاطها في توفير الموارد الحاسوبية الفائقة حيث أبرمت الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي “سكاي”، مذكرة تفاهم مع الشركة السعودية للتحكم التقني والأمني الشامل المحدودة “تحكم”؛ لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي وقدرات الحوسبة الفائقة اللازمة لتشغيل الجيل القادم من التطبيقات.
بالإضافة للموارد الحاسوبية تبقى تحديات في توظيف الذكاء الاصطناعي ومنها دمج النماذج المبنية على الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل الحالية، من تطبيقات تقليدية، ومراقبة النماذج من حيث الدقة والعملية، ولا ننسى أن أمن هذه النماذج يُشكّل تحديات جديدة في عالم الأمن السيبراني. كل هذه وغيرها تحديات نأمل أن تلبي الشركة -بإذن الله- هذه التطلعات، وأن تسد هذه الثغرات بقيادة المبدع أيمن الراشد، خاصة أننا تعبنا من حلول “امسك حرامي،،،، واعيباه”.
وهذا عنوان مقالي القادم ان شاء الله؟
كتب أستاذي ومُلهمي مصطفى المهدي “أبو عاصم” مقالًا بعنوان “المواهب.. تتجاوز حدود الزمان والمكان” افتتحه بقوله: “الكلمة وهي تُسطر بالقلم، والكلمة وهي تُشنّف الآذان في الخطب أو يشدو بها قصيدًا يتردد، كانت ولا تزال أحد أمضى الأسلحة في الحرب والسلم، وهي وسائل وإن اختلفت عبر العصور، فإن العنصر البشري هو الثابت في معادلتها ما لم يُحدِث الذكاء الاصطناعي اختراقًا ذا قيمة في هذا المجال”.
ما شدّني في هذا المقال هو المواهب والذكاء الاصطناعي، فمن الملاحَظ أن مهنًا يقِل فيها الاعتماد على العنصر البشري شيئًا فشيئًا، وزاد فيها الاعتماد على التقنية، ومنها الذكاء الاصطناعي ومشتقاته.
لاحِظ مثلًا أن قطاعات أعمال كثيرة بدأت في تقليل العنصر البشري والاعتماد بشكل أكبر على التقنية، بل إن بعضها استغنى تمامًا عن العنصر البشري، وأحلّ محله الآلة لتؤدي مهام البشر. ونسمع كذلك عن تطبيقات متعثِّرة للذكاء الاصطناعي، مثل قيادة السيارة، فلِم تنجح بعض النشاطات في تطبيق الذكاء الاصطناعي ولِم تتعثر أخرى؟!
أنا أُقسّم النشاط البشري إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ويمتاز هذا القسم من النشاطات بكونه لا يتّبع نمطية محددة، وأسميه قسم (الأعمال العصِيّة)، ويشمل أعمالًا تُمثّل صعوبة بالغة على الذكاء الاصطناعي في أن يحتويها لأنها “غير متكررة ولا يمكن التنبؤ بها”، ومنها استكشاف الأخطاء في أعمال الكهرباء والسباكة، وحتى تنظيف وترتيب المنزل، بينما يؤدي البشر مثل هذه الأعمال بيسر وسهولة على الرغم من كونها أعمالًا لا تتطلب شهادات علمية، بل ما تحتاجه هو الخبرة والمران.
الثاني: وهذا القسم من الأعمال يمتاز بكونه “متكرر ويمكن التنبؤ به”، وبالتالي يسهُل على تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحقيق قفزات هائلة فيه تتفوق في أحيان كثيرة على البشر. يشمل هذا القسم من الأعمال المجال الهندسي والمعماري وحتى المجال الطبي، فمؤخرًا تفوّق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في تشخيص بعض الأمراض.
الثالث: يضم الأعمال التي أرى أنه يستحيل على الذكاء الاصطناعي أن يحتويها، والتي ستبقى حصنًا يصعب عليه اختراقه، بل ستظل حكرًا على البشر، وهي المجالات الخاصة بالإبداع والاختراع، فلن تجد يومًا حاسبًا يكتب قصيدة شعر أو قصة قصيرة تحمل نفس رومانسية المشاعر البشرية. ولُبّ هذا القسم من النشاطات هو “الموهبة”، فعلى الرغم من وجود نماذج مبنية على الذكاء الاصطناعي تستطيع أن تكتب قصائد شعرية أو مواضيع علمية، فإنها لا تُلامس ذائقة القارئ أو المتمرس في هذا العلم، وتظهر المنتجات كأنها قطعة من البلاستيك المُصنَّع.
من مقاصد الشريعة التي جاء بها الإسلام “حفظ المال” و “حفظ العقل”، ومن باب حفظ المال أن نستثمر فيما هو ممكن للذكاء الاصطناعي وان نحفظ العقل من العبث العلمي. خاصة أن الذكاء الاصطناعي يواجه تحديات كبيرة في توظيفه ودمجه عمليآ في أنظمة العمل الحالية، ولكن لهذا التحدي نقول إن SCAI لا تعرف حدًا للطموح.
فما قصة SCAI؟
هذا ما ستعرفه في مقالي القادم إن شاء الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال