الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يبدو أن عبارة الشتاء قادم winter is coming والتي تكررت كثيرا في الرواية الشهيرة أغنية الثلج والنار للكاتب الكبير جورج مارتن والذي تم تحويل أحد أجزائه إلى مسلسل تلفزيوني (لعبة العروش Game of Thrones) هو الأضخم في تكاليف الإنتاج والأشهر عالميا وقد تم تخصيص الحلقة الأولى كمدخل يفسر العلاقة بين قسوة الشتاء وما يحدث به من أزمات اقتصادية تلقي بظلالها على نسيج الروية واحداثها المتلاحقة ، هذه العبارة بدأت تلوح في أفق المشهد الأوروبي والذي يسعى جاهدا لتلاشي شتاء قارس بعد إذ أصبحت فيه إمدادات الطاقة وتفاقم مشكلة التضخم واختلال الأسواق بين نقص في العرض وتصاعد في الطلب تلقي بظلالها على الاقتصاد الأوروبي حيث يواجه أصعب اختبارا له منذ اندلاع جائحة كورونا مما يهدد النمو وتعميق حالة عدم اليقين فيما يشهد الاقتصاد تقاطعات شديدة فيما بين السياسات النقدية والسياسات المالية، مما أدى إلى تسارع التضخم في أوروبا، متجاوزا 10 % في بعض الدول.
تُشكل إمدادات الطاقة قلقا كبيرا في أوروبا وفق تقارير تشير إلى أن موسكو قد توقف إمدادات الغاز فضلا عن الأخبار التي تحدثت عن تحديد السقف السعري للنفط الروسي ب 60 دولارا من قبل مجموعة السبع مما يعني أن الأسواق ستشهد خللا كبيرا في توازنات الأسعار مع العرض والطلب ناهيك عن خلق فجوات معقدة في وقت كانت ولاتزال أوبك + تعمل وفق منهجية تصحيح الأسواق لتلبية الطلب وفق آلية وحرية الأسواق متجاوزة بذلك أي صدمات في أسواق الطاقة ، يقول: صندوق النقد الدولي إذا توقف الغاز من روسيا عن التدفق فإن الدول الضعيفة بما في ذلك سلوفاكيا وجمهورية التشيك والمجر قد تسقط في ركود حاد وتشير الأخبار إلى أن تداعيات الطاقة تلقي بظلالها في السويد حيث تعاني بعض المدن من ارتفاع في الأسعار فقد وصل لتر البنزين الى 10 كرونة ما يعادل 0.976 دولار في حين ارتفعت أسعار الكهرباء سبعة أضعاف وأصبح الغاز شحيحا في حين أصبحت الكهرباء غير متاحة ليلا للمحالّ التجارية.
كتب براين إيفانز من موقع إنسايدر، بأن الفكرة من وراء سقف الأسعار تتلخص في خفض عائدات التصدير في موسكو، وبالتالي الحد من قدرة الرئيس فلاديمير بوتن على تمويل حربه على أوكرانيا، مع الحفاظ على تدفق أكبر قدرٍ ممكن من النفط الروسي عبر الأسواق العالمية، ومع ذلك فإنه من الممكن أن تفشل المبادرة بأكملها فضلا عن عدم إمكانية حدوث استقرار في الأسعار نظير الاختلال الذي قد يحدث لقوى العرض والطلب في السوق مما يُنبأ بحدوث أزمة حقيقية في إمدادات الطاقة في أوروبا، ناهيك عن توالد أزمات اقتصادية جديدة فيما يتعلق بالتبادل التجاري على سبيل المثال بين روسيا والدول التي ستلتزم بالسقف، وهو ما أحدث خلافا أوروبيا حول هذا السقف حيث تدفع كل من بلجيكا وإيطاليا وبولندا وسلوفينيا باتجاه خفض كبير لسقف الاتحاد الأوروبي بينما يبذل التكتل جهودا مضنية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الإجراء وفق ما أوردته ( صحيفة الاقتصادية ).
لقد واصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي ارتفاعها الكبير ففي المتوسط كانت في العام 2000 في حدود 70 % أما اليوم فهي تشارف 95 % وهي بذلك مضطرة إلى إصدار الديون بشكل مستمر لسد عجز الميزانيات لديها.
في غضون ذلك بدأت بعض الاقتصاديات الأوروبية من معالجة إشكالات الطلب على الطاقة وفق معلومات صحفية تتحدث عن تحديد مواعيد معينة لإطلاق التيار الكهربائي والاستعدادات لتسليم “أموال طارئة” لمواطنيها في حالة انقطاع التيار الكهربائي، في محاولة للحفاظ على استمرار الاقتصاد، فضلا عن النقاشات والمراجعات المستمرة للتعامل والاستعداد حال انقطاع الكهرباء المحتمل والناجم عن ارتفاع تكاليف الطاقة أو نقص إمداداتها فيما أخطرت السلطات الألمانية السكان بضرورة الاستعداد لحدوث انقطاعات محتملة في التيار الكهربائي خلال فصل الشتاء، ولا سيما شهرا يناير وفبراير المقبلين، حيث تعتمد ألمانيا على الطاقة الروسية مما يشير إلى إشكالات التضخم والاضطرابات الاقتصادية بسبب نقص الوقود والطاقة.
في حين يشهد الاقتصاد البريطاني أزمة اقتصادية تتمثل في موجة تضخمية متواصلة وقد أكد جيرمي هانت وزير المالية أن المشهد العام ليس ورديا، والاقتصاد سيمر بمرحلة صعبة بل أزمة أشد قبل أن يشهد انتعاشا ، وبناء عليه فالاقتصاد البريطاني يمضي نحو ركود حقيقي يعترف به المسؤولون في البلاد، وقد يمتد إلى ما بعد منتصف العقد الحالي.
إلى ذلك فمن المتوقع أن يكون شتاء هذا العام قاسيا وصعبا يصنفه بعض المحللين على أنه الأصعب منذ عقود لما سيخلفه من آثار تمتد إلى إنتاج المحاصيل الغذائية التي يرتبط إنتاجها بالأسمدة الزراعية الصناعية ومولدات الطاقة وأدوات الزراعة التي تتم تغذيتها من خلال الغاز الطبيعي ومن ثم حدوث إشكالية غذائية، لذلك لا يتوقف الأمر عند التوقعات المناخية فحسب بل تمتد أيضا إلى سلسلة من الأزمات والسياسات المصاحبة.
وفي المقابل أبقت معظم المؤسسات والشركات الاستثمارية على توقعاتها بانكماش اقتصاد منطقة اليورو في العام المقبل 2023، مع استمرار المخاوف من أن تشهد أوروبا أزمة طاقة الشتاء المقبل وذلك حال استمرار توقف إمدادات الغاز الروسية، مما يعني أن التوقعات بالانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو متباينة استنادا إلى مشهد عدم اليقين العالمي.
مجمل القول: الاقتصاد الأوروبي يعاني من إشكاليات إمدادات الطاقة وتعارض السياسات الاقتصادية وتوسيع فجوة التضخم تباعا وذلك بسبب الضغوط والمخاطر الجيوسياسية مما يتطلب وضع سيناريو آخر لتقويض الازمات الجيوسياسية والجيواقتصادية فضلا عن إعادة النظر في اسعار الفائدة من قبل الفيدرالي والمركزي الأوروبي خلال العام القادم فيما يسمى بالسعر النهائي والاحتفاظ به خلال ذلك العام والعام التالي 2024وذلك تفاديا لحدوث ركود عميق يلقي بظلاله على صعوبة الخروج الناعم من هذه الأزمات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال