الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتَبر جريمة الاحتيال من أكثر الجرائم صعوبةً من حيث المُلَاحَقَة؛ والسبب أنَّ المحتال يَقُومُ بتنفيذ مُخطَّطٍ رَسَمَهُ بشكلٍ هادئٍ قبل تنفيذِهِ، ويتضمَّن هذا المخطَّط إمَّا عدم اكتشاف الجريمة أو استحالة إثباتِهَا عليه إذا تمَّ اكتشافُهَا.
هذا يعني أنَّ المحتال يُظهِرُ خطورةً إجراميةً أكبر من السارق أو خائن الأمانة؛ لأنَّ السارق يَستولي على مال الغير عبر استغلال غفلته أو بالعنف، وفي خيانة الأمانة فإنَّ الضحية يُسَلِّم المال له عن رضا لحقيقة التعامل، لكن المال لم يرجع إليه.
بينما في الاحتيال، يَقومُ المحتال بالاستيلاء على مال الضحية عن رضاه، لكن بعد تنفيذ ممارسات تضليلٍ أو كذبٍ أو تأييدٍ لوقوع الضحية في الغلط؛ أي أنَّ المحتال يَقومُ بالتمثيل والكذب على الضحية بما يكفي لإقناعِهِ بتسليم أمواله.
وهي نقطةٌ بالغةُ الخطورةِ في شخصية المحتال كمجرمٍ، بالمقارنة مع السارق أو خائن الأمانة التقليدي؛ ولهذا فقد جرَّم نظام مكافحة الاحتيال المالي مُجرَّد الشروع بالاحتيال؛ أي حتى وإن لم تتمَّ نتيجة الممارسات الاحتيالية.
وذلك لأنَّ المحتال يَمتَلِكُ سرعة بديهة ودرجة عالية من الذكاء وحِدَّة في ردَّة الفعل، كلُّ ذلك بما يجعَلُهُ يُسَيطِرُ على عقل صاحب المال المَخدُوعِ، ويَدفَعُهُ نحو تسليم مالِهِ بشكلٍ طوعيٍّ.
وبالنظر إلى صعوبة القبض على المحتال بعد تنفيذ جريمته، أو إثباتِهَا حتى بعد القبض عليه، وحيث إنَّ نتائج الاحتيال بالغةُ السوء على الثقة بين الناس في تعامُلَاتِهِم المدنية والتجارية والبنكية؛ فيبدو أنَّ الحل الأمثل لمكافحة الاحتيال هو محارَبَتُهُ بشكلٍ استباقيٍّ، أي قبل أن يشرع المحتال بتنفيذ ممارساته الاحتيالية، أو على الأقل قبل أن تتمَّ نتيجة الجريمة بالاستيلاء على المال.
وطالما أنَّ البنوك هي أكثر الجهات المالية تَعَرُّضَاً لمحاولات الاحتيال، سواءً أكان ذلك لسلب أموالِهَا الخاصَّة أم أموال المودِعِينَ فيها، فقد أصدر البنك المركزي الكويتي بتاريخ 15-3-1444 دليلاً لمكافحة الاحتيال وفق منهجيةٍ استباقيةٍ بِغَرَضِ قطع الطريق أمام المحتالِينَ.
تتركَّز إجراءات المكافحة الاستباقية للاحتيال التي يجب على البنك القيام بها وفق البنك المركزي، فيما يلي:
وقد ألزم البنك المركزي جميع البنوك بدءاً من 30 نوفمبر 2022 بإرسال تقاريرٍ شهريةٍ تتضمَّن هذا التقييم؛ الذي يُمثِّل نقداً ذاتياً للبنك تجاه جودة إدارَتِهِ لمخاطر الاحتيال ومواجَهَتِهاَ قبل أن تَحدُثَ في الواقع.
أمَّا إذا عَجِزَ البنك عن تحقيق درجة النضج المطلوبة في المكافحة الاستباقية هذه، أو أنَّه لم يلتزمْ بالسقف الزمني الأعلى لتحقيقِهَا؛ فإنَّ البنك سيُعَرِّضُ نفسَهُ للمساءلة أمام البنك المركزي.
لذا، فإنَّ على جميع البنوك وَضعَ خُطَطِ عملٍ كفيلةٍ بتجاوُزِ أية ثغراتٍ في أنظمَتِهَا الإلكترونية والفنية والمالية؛ بحيث تتوافَقُ أنظمة البنك وخُطَطِهِ القصيرة والاستراتيجية طويلة المدى مع معايير النُّضج المطلوبة منه حتى يُحقِّقَ مكافحة استباقيةً مقبولةً للاحتيال.
وفي هذا الإطار، يجب أن يَحصَلَ البنك على موافقة البنك المركزي على خُطَّةِ عَمَلِهِ هذه قبل أن يبدأ العمل بها.
وبالمُحصِّلَةِ، فإنَّ البنوك العامِلَةِ في المملكة أمام تغييرٍ جذريٍّ ليس في طريقة عَمَلِهَا التقليدي أو أسلوب حِسَابِهَا للمخاطر المالية، بل في منهجية تفكيرها إزاء جريمة الاحتيال، ومدى توقُّعِهَا لوجود ممارساتٍ احتياليةٍ، والكيفية التي ستُوَاجِهُ فيه مُجرَّدَ احتمال قيام الاحتيال قبل أن يتمَّ تنفيذ الجريمة.
لكن في الواقع التكنولوجي، تُعتَبر هذه المكافحة الاستباقية للاحتيال المالي من البنوك أمراً أشبه بالمهمَّة المستحيلة في بعض الأحيان، ذلك بالنظر إلى التوجُّه المُستَمِرِّ من البنوك نحو تسهيل خدماتِهَا المصرفية عبر التطبيقات الإلكترونية، ومَنحِ هذه الخدمات مزيداً من المرونة عبر الأساليب التقنية.
وفي المقابل، فإنَّ منهجية المكافحة الاستباقية للاحتيال تَحمِلُ معنى التدقيق والتمحيص والاستغناء عن بعض الميِّزات التسويقية الإلكترونية إذا كانت باباً مُمكناً لقيام المحتالِينَ بتنفيذ مُخطَّط الاستيلاء على الأموال.
بناءً عليه، فإنَّ المرحلة التي نحن فيها حالياً مع نهاية عام 2022 هي مرحلةٌ حاسمةٌ لكلِّ البنوك؛ لأنَّها ستَكتَشِفُ من خلال مرحلة التقييم والنقد الذاتي حجم الثغرات التي تُعَانِي منها أنظمة تشغيلها، وهو ما يجب أن يتمَّ بكلِّ شفافيةٍ ودِقَّةٍ ووضوحٍ، لأنَّ أيَّ تجاهُلٍ أو إهمالٍ من البنك في إدارة مرحلة النقد الذاتي هذه، ستجعله عاجِزَاً عن الاستمرار في السوق السعودي، التي ستَحظَى بمعاييرٍ استباقيةٍ فعَّالةٍ تِجَاه الاحتيال مع نهاية عام 2023 بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال