الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يقول آدم سميث “مديرو الشركات باعتبارهم مديرين لاموال غيرهم وليس لأموالهم، فلا تتوقع أنه سوف يحرص على تلك الاموال بنفس اليقظة والحرص والاهتمام التي سيبذلها لو كان هذا المال الذي يديره من ماله الخاص” أصبحت حوكمة الشركات، من كونها موضوعًا للنقاش داخل الحلقات الأكاديمية والتنظيمية والمستثمرين، مؤخرًا أصبحت الحوكمة ذات اهتمام وطني في جميع أنحاء العالم. المفتاح في هذا النقاش هو الدور الذي تلعبه حوكمة الشركات ليس فقط في توليد العوائد ، الاقتصادية وغيرها ، للمالكين وأصحاب المصلحة، ولكن أيضًا كمحرك للنمو الاقتصادي والتغيير الثقافي في بلد ما.
في هذا المقال، سأركز على توضيح ثلاث مفاهيم اساسية في الموضوع، قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع في المستقبل. اولا، ماهي الأسواق الناشئه والأسواق المتقدمة؟ ثانيا، ماهي حُزم الحوكمة؟ ثالثا، ما هي أهميتها في تطوير السوق السعودي؟
اولا، اقتصاد السوق المتقدمة هي الأسواق التي الاسواق التي تملك نمو اقتصادي قوي ، ارتفاع نصيب الفرد من الدخل ، سهولة في حركة الأموال و معدل سيولة جيدة في السوق، لديها سيولة متزايدة في أسواق الدين والأسهم المحلية، وزيادة حجم التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر. امتلاك مؤسسات مالية وتنظيمية حديثة ومتطورة.
سهولة الوصول للسوق المحلي من قبل المستثمرين الأجانب ، ونظام قانوني وتنفيذي وقضائي قوي يمكن الاعتماد عليه بشكل يرفع مستوى ثقة المستثمرين الأجانب للدخول في السوق. أما الاسواق الناشئة هي تلك الأسواق التي تملك بعض من خصائص السوق المتقدمة، بحيث يكون اقتصاد الدولة النامية أكثر انخراطًا في الأسواق العالمية مع ارتفاع معدل نموها قياسا بغيرها من الدول النامية الاخرى.
بالاضافة الى امتلاكها بعض خصائص السوق المتقدمة مثل امتلاك سيولة عالية وارتفاع في معدل النمو والعمل على تطوير أنظمتها وقوانينها وغيرها من الخصائص التي تعمل عليها الدولة لتدخل في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة. البلدان المصنفة على أنها من أبرز اقتصادات الأسواق الناشئة هي الهند والمكسيك وروسيا والصين. أما البلدان المصنفة من ضمن أبرز اقتصادات السوق المتقدمة هي امريكا واستراليا واليابان وبعض دول أوروبا.
بالنسبة لحزم حوكمة الشركات، النظرية التقليدية تعتمد على المثالية، وهذا يعني اعتماد أفضل الممارسات وتبنيها كمنهج عالمي يحتذى به. وهذا ما هو معتمد لدينا الآن بشكل كبير عند طرح اي فكرة او مشروع، فأول ما يتم عرضه هو ان المؤسسة قامت بعمل دراسة لأفضل الممارسات، وتم استقاء النظام الحالي”أيا كان مجاله” من أفضل الممارسات والأنظمة التي تمت دراسته. وأساس هذه الفكرة هي تأثير قوة العولمة على العالم بحيث يعتقد الكثير من العلماء أن هذه القوة تسهل على الشركات اعتماد مجموعة متعارف عليها من ممارسات الحوكمة الافضل عالميا، وبالتالي، وضع نموذج مهيمن يحتذى به في كل مكان بالعالم وفي كل الشركات. مثل نماذج لقوة الكفاءة، وقوى سوق المنتجات، وقوة أسواق رأس المال وأسواق الأسهم …الخ. هذه القوه يتولد عنها اعتماد أفضل الممارسات من حيث تحسين حماية المساهمين، واستقلالية مجالس الادارة ..الخ. تسهم هذه النماذج المهيمنة في النهاية الى تطوير الاسواق الناشئة ورفع مستوى الشفافية والمساءلة وخفض الفساد. لكن للأسف أن هذا الاتجاه أثبت عدم فاعليته على الرغم من انتهاج كثير من الدول النامية لهذه الممارسة.
فوجهة النظر السائدة الآن هو أن سياق الحوكمة في الأسواق الناشئة تختلف عن سياق الحوكمة في الأسواق المتقدمة. حيث ان قوة المنافسة الدولية بين الأسواق الناشئة والاسواق المتقدمة شرسة ولا يمكن مقاومتها، وفي نهاية المطاف يترتب عليها جمود وتعثر في حوكمة شركات الأسواق الناشئة.
لذلك، في حوكمة الشركات في الأسواق الناشئة يفترض ألا تكون تطبيقا لآليات متعارف عليها دوليا في حوكمة الشركات مثل اعضاء مجلس الادارة، لجان المراجعة، لجان التعويضات، معايير المساءلة ..الخ. يفترض ان يكون هنا حُزم حوكمة تعمل مع بعضها البعض وتكمل بعضها البعض، ويحل بعضها محل الاخرى احيانا، ويتم استبدال احدى الاليات بآلية اخرى قد تكون أكثر موائمة مع السوق الناشئة ومع هيكلة الشركة. وبالتالي، أخذ منهج أفضل الممارسات في الأسواق المتقدمة وتطبيقها على قالب شركة لا تملك مقومات مشابهة، يجعل الحوكمة تتعثر وقد تفشل أحيانا. بمعنى، أن آليات الحوكمة لا يتم اعتمادها بناء على أفضل الممارسات، وإنما على ما يتناسب مع السوق الناشئة. هذا بالطبع لا يعني اهمال افضل الممارسات، او عدم الاخذ بها، وانما المقصود ان إطار الشركات في الأسواق الناشئة مختلف عن اطار الشركات في الأسواق المتقدمة، وبالتالي لابد من أخذ هذا الاختلاف بعين التدقيق والتمحيص والبحث والدراسة المتخصصة.
اخيرا، لماذا يجب الاهتمام بموضوع حُزم حوكمة الشركات؟
في الواقع، الحوكمة برزت أهميتها بعد فضيحة انهيار شركة إنرون و ورلد كوم، وشركات اخرى تلتها في الانهيار بسبب ضعف الرقابة واختفاء معايير الحوكمة. لذلك، ظهرت الحاجة للحوكمة أساسا في الأسواق المتقدمة. وبناء عليها، ركزت الدراسة ذات العلاقة بظروف هذه الأسواق.
لذلك، كان التركيز بشكل خاص ، على القضايا التي تدور حول مساءلة أولئك الذين يسيطرون على الشركات أمام أولئك الذين لديهم مصلحة مالية في نجاح الشركة، والذين هم عادةً المساهمين. ايضا، ظهر منظور مختلف حول حوكمة الشركات في أعقاب التطورات في نظرية أصحاب المصلحة التي نظرت إلى الحوكمة من حيث العقود متعددة الأطراف بين الإدارة ومجموعة متنوعة من مجموعات أصحاب المصلحة.
تم القيام بعمل كبير بشأن اعتماد توجه أوسع لأصحاب المصلحة للإدارة والحوكمة. وبناء عليه، فإن قضايا حوكمة الشركات في البلدان المتقدمة تهتم أكثر بالمساءلة والمسؤولية الناشئة بشكل رئيسي عن ممارسات المحاسبة والتدقيق المشبوهة والضغوط لتوفير منظور أوسع لأصحاب المصلحة.
في حين أن البلدان النامية لديها قضايا أكبر بكثير من موضوع الرقابة المحاسبية والشفافية والمساءلة، لديها في الواقع كم هائل من المواضيع التي يجب دراستها على حدى وتُكون حُزم لاليات معالجتها. كان الانفتاح الاقتصادي والسياسي الداخلي والخارجي الدعامة الأساسية للإصلاحات التي بدأت في العديد من البلدان النامية في الثمانينيات والتسعينيات.
ومع ذلك، سرعان ما أدركت البلدان أن الانفتاح الاقتصادي والخصخصة وحدهما ليسا كافيين في خلق الحوافز للتغييرات في السلوك الإداري وتحسين أداء الشركة. الإصلاحات المؤسسية ، بما في ذلك آليات الحوكمة ، ضرورية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة.
وأثار هذا بدوره تساؤلات حول نوع نماذج وآليات الحوكمة التي يتعين على البلدان النامية اعتمادها وتكييفها. على الرغم من انتشار الأدبيات حول سبب الحاجة إلى إدارة أفضل في البلدان النامية، إلا إن البحث التجريبي حول أنواع آليات الحوكمة المتطورة وفعاليتها في الاسواق الناشئة نادرة نسبيا، والمتوفر معتمد بشكل كبير على المقارنات المبنية على أفضل الممارسات والتي ارى انها ليست ذات فاعلية تذكر. المملكة الان هي ضمن مؤشر MSCI،ومصنفة على أنه من الأسواق الناشئة. لذلك، يجب الاهتمام بموضوع حُزم الحوكمة، ودراسة الأوضاع و القضايا الفعلية التي تحتاج الى وضع حلول لها من خلال حُزم الحوكمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال