هل عالمية سلاسل الإمداد من بقايا الماضي؟ (2)

ومع ذلك، فإن ظهور وباء كورونا أثر على الجميع، مما يدل على أن البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء دفعت حقا ثمنا باهظا لتهتك نظم سلاسل الإمداد التي كانت أصلاً واهنة ومتناثرة، وسرعان ما دفعت بها الضغوط الهائلة للجائحة إلى الإخفاق.

وليس من شك بأن سلاسل الإمداد العالمية ينبغي أن تكون عالميةً بالفعل بأن تكون متاحة ومرنة. وأضيف بأن سلاسل الإمداد تصبح عالمية ببنائية (architecture) جديدة من نوعها؛ ذات بنية شبكية (network-based) تربط نقاط ومرتكزات (hubs) تلف العالم من أقصاه إلى أقصاه، ولعل أقرب مثال حي لشبكة من هذا النوع هو شبكة النقل الجوي؛ متاحة وغير محتكرة وتقوم على محاور عدة في المطارات الرئيسة تتشابك فيما بينها لتكون شبكة عالمية توصل الركاب والبضائع من أي نقطة لأي نقطة بأريحية وسلاسة.

ولكي نكون عمليين، كدولة نامية، تسعى المملكة العربية السعودية لتكون جزءاً وأحد المرتكزات الرئيسة في هذه الشبكة. وأعتقد أننا لا نستطيع أن نختار عاملاً واحداً لنعلنه بأنه حاسم الأهمية، مثل تفادي المخاطر. فعلى الرغم من أن تخفيف المخاطر أمر مهم، لا شك، إلا أن المخاطر لا يمكن التحوط لها بالكامل ولا يمكن أن تكون سبباً في الحد من الطموح، ولا يعني هذا إهمال المخاطر بل التحسب لها، كأن تصنيف المخاطر كمخاطر عالية أو مخاطر منخفضة ومتوسطة، لوضعها في السياق المناسب من حيث التحوط واحتساب التكاليف والعوائد.

وفي ذات السياق، فعلى الرغم من أهمية التواصل (communication) لكن أيضا ليس بوسعنا القول ان “التواصل فقط”  هو العنصر المحُدد؛ فالتواصل مهم، ليس فقط كمهارة وقيمة بشرية، بل أيضاً مهم من الناحية التقنية. أقصد استيعاب منظومات سلاسل الإمداد تقنيات لتحقيق “التواصل” فيما بين سلاسل الإمداد العالمية، مثل “إنترنت الأشياء” (IoT) و التحليلية المتقدمة (advanced analytics) ، والبيانات الضخمة  (big data)، وهذه التقنيات وسواها ذات أهمية حرجة لنهوض سلاسل الامداد حالياً ومستقبلاً. لكن لماذا هذا؟ لأن العالم يكايد الآن مخاوفاً ودروساً مؤلمة، بعد معاناة مريرة جراء جائحة كورونا وبعد ذلك الحرب الجارية بين أوكرانيا وروسيا، وتقهقر نمو الاقتصاد العالمي، وانفلات التضخم.