الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشعر الانسان بالفخر والإعجاب لأمة صنعت المجد والتطور بسواعد ابنائها وأفكار قياداتها في تسلسل زمني ليس بالقصير ، حيث أن التتابع في الخطط الطويلة لا يهدم بعضها بعضًا ، لذلك فإن التجربة اليابانية في بناء صناعة و تصنيع السيارات من التجارب المُلهِمة والتي استفاد منها كثير من الدول و الأمم اللاحقة والذي طبقت وتبنت الكثير من تفاصيل المسار الياباني (وكاتب هذه السطور أمضى عقدًا من الزمن في أروقة المكتبات و المؤتمرات لمعرفة التفاصيل التاريخية لمسيرة هذه التجربة بالإضافة الى العمل تحت دخان المصانع اليابانية في الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة منظومة سلاسل الإمداد العالمية في صناعة السيارات).
الأمة اليابانية لها احتكاك في كل الأمم المحيطة بها وبما أنها جزيرة في بحر لجّي فإن البحارة اليابانيين قد أبدعوا في بناء السفن وكذلك نقل البضائع منهم و إليهم ، هذا الإبداع في إدارة و صناعة السفن جعلهم مؤهلين لأن يكونوا غزاة مستعمرين لمعظم دول شرق آسيا مثل الصين و كوريا و الفلبين وغيرها ، لذلك كانت الحكومة والإمبراطورية اليابانية لا تنظر الى دعم واهتمام وعناية لأي شيء غير العتاد الحربي والسفن والناقلات العملاقة بين البحار، ولم تكن السيارة معروفة في اليابان البتة حتى أدخلها رجل أعمال أمريكي في عام 1899 وهي السيارة الأولى التي وجدت في اليابان وكانت على ثلاث عجلات تعمل بالماطور الكهربائي.
وبحكم أن صناعة السيارات العالمية في ذلك الوقت لم تنتشر بكثرة فقد وصلت واردات اليابان من السيارات حتى عام 1907 فقط 16 سيارة ، ثم تتابع الاستيراد حتى وصل العدد 500 سيارة في عام 1912 وكلها تعمل في البخار والكهرباء.
في هذه الفترة من بداية دخول السيارات المستوردة أي من عام 1902 وما بعدها بدأ اليابانيون يفكرون في التصنيع المحلي ولكنها كلها جهود فردية لم تهتم الحكومة بها فتركتها للقطاع الخاص بدون أي حماية أو دعم في هذا الوقت ، و في عام 1902 تم اختيار أحد أنجب المهندسين اليابانيين و تم ارساله الى مصنع المحركات البخارية في الولايات المتحدة للعمل كمتدرب و بعد عودته أنشأ الشركة الأولى والتي أصبحت لاحقًا تحت اسم ( شركة داتسون للسيارات) والتي لاحقًا اتحدت مع شركة نيسان في قصة جميلة للتعاون في انتاج السيارات اليابانية ، وفي هذا الوقت ايضًا كان الجيش الياباني مهتم في سيارات الشحن حيث استورد الجيش من فرنسا والمانيا وانجلترا ليتم استخدامها في نقل الجنود ونقل المؤن بين الجبهات.
(أيضًا في هذه الفترة وفي سنة 1910 زار المؤسس والمالك لشركة تويودا للنسيج مصنع فورد (FORD) بأمريكا وبقي هناك فترة في مصانع السيارات و أعجب بها إعجابًا كبيرًا، وهذا الذي جعله بعد 27 سنة أي في عام 1937 يؤسس شركة تويوتا للسيارات مع ابنه بعد الحصول على الدعم الكامل من الحكومة في ذلك الوقت).
في هذه الفترة أي بعد عام 1912 بدأت الشركات والمبادرين اليابانيين في العمل على التصنيع لبعض القطع او استيراد السيارات من الخارج ثم تنبهت الحكومة بأن صناعة السيارات من العوامل المهمة للدعم والإسناد للجيش حيث سمحت و لأول مرة بدعم مصانع الشاحنات على أن يكون للحكومة الحق في استخدام جميع الصناعات في أيام الحرب ، وفي هذه الأثناء و في خضم الإقبال الكثيف من الشركات اليابانية والحكومة اليابانية للدعم والمساندة حتى ضرب أكبر زلزال حصل في اليابان في عام 1923 ، حيث تدمرت معظم مصانع السيارات و أصبحت اليابان في أسوء مشكلة اقتصادية والتي كانت تتراكم بعد الحرب العالمية الأولى ، بعد الزلزال العظيم احتاجت بلدية طوكيو الى شاحنات نقل و ليس هناك اسرع و احسن من الشركات الأمريكية حيث هبت شركة فورد (FORD) وشركة جي إم (GM)وكانت الطلبية بعدد 2000 شاحنة مما حدا بشركة فورد بالاستثمار في تأسيس مصنع لها في اليابان. بعد هذا التأسيس بدأت الشركات الأمريكية في الإزدهار في اليابان و الشركات اليابانية تعاني الصعوبات والمعوقات والتي أحدثتها الشركات الأمريكية حتى وصل الإستحواذ الامريكي على نسبة 90% من سوق السيارات اليابانية في عام 1934. مع العلم ان هناك محاولات من الحكومة اليابانية في تعزيز المنتجات المحلية وخصوصا صناعة السيارات إلا ان التقدم التقني ونظام اللوجستيك العالمي أعطى الميزة للشركات الامريكية في البقاء والسيطرة. هذا الجو المشوش على الصناعة أجبر الحكومة على ان تتدخل في تنظيم و دعم صناعة السيارات المحلية ، حيث كانت البداية في سحب وإلغاء تصاريح التصنيع من الشركات الامريكية بخطة قانونية محكمة لاتؤثر على العلاقات الدولية , لذلك تم طرد شركة فورد (FORD) وجي إم (GM) من اليابان في عام 1934. بعد ذلك تم اصدار اول مرسوم حكومي وقانون لصناعة السيارات في عام 1935 والذي ينص على ان صناعة السيارات يجب ان تكون في أيدي اليابانيين في الاسم و الواقع، بعد هذا القانون تم طرد جميع الشركات العالمية وإلغاء التصاريح التي منحت لهم.
وفي تلك الفترة أي من عام 1925 م , وحتى استخراج قانون تنظيم صناعة السيارات ولجعل بيئة التصنيع للسيارات وسلاسل الإمداد محفزة ومستدامة في الشركات المحلية تم تأسيس عدة جمعيات ولجان وصلت لأكثر من 13 جمعية ولجنة ومن أهمها كالتالي:
1- لجنة النهوض بالمنتجات المحلية
2- جمعية صناعة السيارات
3- الرابطة اليابانية لصناعة هياكل السيارات
4- لجنة مواد مصنعي السيارات
5- جمعية الحديد والصلب والمتخصصة في صناعة السيارات.
وبعد دخول الحكومة رسمياً في دعم صناعة السيارات والتوجه العام لجعل اليابان من المصنعين عالمياً للسيارات وفي هذا الوقت بالذات تقدمت شركة تويوتا رسمياً ليكون تأسيسها في سنة 1937 وبدايةً تتخصص في صناعة الشاحنات (كثير من اليابانيين والمحللين العالميين يُرجع الفضل للحكومة في إصدار قانون دعم صناعة السيارات المحلية حيث ان هذا القانون كان هو السبب في إنشاء وبروز إمبراطورية عالمية في صناعة السيارات يفتخر بها كل ياباني وكل من يعمل بها خارج اليابان).
هذا هو المختصر للتجربة اليابانية في تنمية صناعة السيارات قبل الحرب العالمية الثانية ، ومثل هذه التجارب لا يمكن الإحاطة بها لكن نستطيع ان نتلمس الفوائد من هذه التجربة الوطنية لتعزيز وتوطين صناعة السيارات، لذلك معظم الدول التي اتخذت صناعة السيارات في الاستراتيجية الرسمية لها اتخذت من التجربة اليابانية نبراسًا ومنهجًا للعمل على التوطين ثم التطوير ثم التصدير، و أخص منها الصين وماليزيا حيث ان التجارب فيها مطابقة جداً من التجربة اليابانية من عدة وجوه أهمها:
و في الختام فإن الاستفادة من التجربة اليابانية مازالت متاحة وأعتقد أن البداية المتمثلة في تجربة إتحاد الغرف السعودي في حصر جميع الشركات المحلية الخاصة بصناعة وسلاسل الإمداد للسيارات هي البداية الشبيهة بالقطاع الخاص الياباني والذي يحتاج تكملة الدائرة من الجهات العليا الرسمية الحكومية في التشريع والدعم اللازم لتكون الاستدامة في طريق توطين صناعة السيارات جاذبة وجاهزة للمستثمرين المحليين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال