إطلاق العنان لطاقة الأرض الحرارية في المملكة

على جانب فعاليات مؤتمر التعدين الدولي 2023 في نسخته الثانية والذي أقيم في مدينة الرياض 10-12 يناير. تم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية لاستكشاف مكامن طاقة الأرض الحرارية في المملكة. وذلك بحضور سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان.

مذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها بين الجانبين كانت نتيجة طبيعية للمبادرة التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية لاستكشاف مكامن طاقة الأرض الحرارية بتمويل من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في وزارة الصناعة والتعدين.

ذكرنا في مقالات سابقة أن طاقة الأرض الحرارية هي طاقة نظيفة ومتجددة ومستدامة ومن الممكن استغلالها في توليد طاقة كهربائية 24 ساعة في اليوم (baseload). وهي الطاقة الوحيدة التي بإمكانها أن تحل محل توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الوقود الأحفوري. وسوف تساهم إيجابيا في رحلة المملكة إلى الصفر الكربوني.

ومن مميزات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام طاقة الأرض الحرارية:

1. الطاقة المتجددة الوحيدة التي تعمل 24/24 بموثوقية مماثلة للطاقة الكهربائية المتولدة من الوقود الأحفوري.
2. لا تتسبب في الإنبعاثات الكربونية لأنها تستخدم نظام الدائرة المغلقة (closed circle).
3. هي طاقة لديها مرونة عالية من حيث الإستجابة لتغيّر الطلب اليومي على الطاقة الكهربائية وبدون أثر سلبي على توازن شبكة نقل الكهرباء.
4. إحتمال إستخراج بعض المواد المهمة مثل مادة الليثيوم والتي تستخدم في صناعة البطاريات.
5. انخفاض تكلفة توليد الكيلو وات ساعة (LCOE) بالمقارنة مع تقنيات الطاقة المتجددة الأخرى.
6. انخفاض تكلفة التشغيل والصيانة.
7. تستغل مساحات أراضي صغيرة بالمقارنة مع تقنيات الطاقة المتجددة الأخرى.
8. لا تتأثر بتقلبات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.

وتتميز المملكة باحتوائها على مكامن متعددة لطاقة الأرض الحرارية في منطقة الدرع العربي بمساحة 580 ألف كم2، وهي التي تحتوي على المناطق البركانية المعروفة بالحرّات على مساحة 90 ألف كم2.. وعلى طول ساحل البحر الأحمر، ومناطق شمال منطقة حائل، وعلى سفوح هضبة نجد شرقا. ولقد قام العديد من الجامعات السعودية ومراكز البحوث الوطنية والعالمية بإجراء عشرات الدراسات الأكاديمية لطاقة الأرض الحرارية في مختلف مناطق المملكة. إلا أنها، وعلى أهميتها، لم تستطع أن تكوّن همزة الوصل بين القطاعين الأكاديمي ورجال الأعمال لترجمة تلك الدراسات الأكاديمية إلى مشاريع مجدية اقتصاديا لتوليد الطاقة الكهربائية على أرض الواقع.

ومن هنا تأتي أهمية هذا الاتفاق المبدئي بين وزارة الطاقة وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية. إذ أن الهيئة هي جهة رسمية ومتخصصة ولها تاريخ طويل في تنفيذ الأبحاث والأعمال الجيولوجية في المملكة. كما أنها مليئة بالخبرات والكوادر الوطنية الشابة. ويتوفر لديهم جميع الإمكانيات التي تمكنهم من القيام باستكشاف مكامن طاقة الأرض الحرارية ومن ثم توفير الجسر اللازم لترجمة نتائج تلك الاكتشافات إلى دراسات مجدية اقتصاديا تستطيع وزارة الطاقة عرضها على المستثمرين في داخل المملكة وخارجها لتوليد الطاقة الكهربائية.

وبالتوازي مع قيام هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بأعمال استكشاف مكامن طاقة الأرض الحرارية في المملكة، نتمنى أن تقوم وزارة الطاقة بدمج هذه التقنية المهمة إلى مزيج الطاقة السعودي وتفويض هيئة تنظيم المياه والكهرباء بإصدار التنظيم اللازم لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية باستخدام طاقة الأرض الحرارية.

إن البحث عن مكامن طاقة الأرض الحرارية واستكشافها يختلف من الناحية التقنية عن الدراسات الجيولوجية التي عادة ما تقوم بها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية. وأنصح الهيئة بالأخذ بالمقولة التي دائما ما يرددها سمو وزير الطاقة بأننا ”لن نقوم بإعادة اختراع العجلة بل يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون“. أنصح الهيئة بالاستعانة بالخبرات الأجنبية المتمكنة في موضوع استكشاف طاقة الأرض الحرارية ودراساتها ومشاريعها.  وفي نفس الوقت، تدريب الكوادر الوطنية السعودية من طلاب الجامعات وغيرهم ممن سيقوم بحمل الأمانة في المستقبل.

لعل خبر التوقيع على مذكرة التفاهم فيما بين وزارة الطاقة وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية لاستكشاف مكامن طاقة الأرض الحرارية في المملكة هو الخبر الأبرز لوزارة الطاقة في سنة 2023. إذ أن المملكة تمتلك جميع المقومات اللازمة لريادة العالم في تلك التقنية المهمة. كما أنه سوف يكون لإستخدامها آثار إقتصادية وسياسية إيجابية على المملكة. وهي أولا وأخير تحقق أهداف رؤية المملكة 2030 في تخفيف الانبعاثات الكربونية والاستغناء عن استخدام الوقود الأحفوري.