الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعدّ استشراف المستقبل المالي أحد الموضوعات الساخنة بعد عقود من الأزمات المالية والاقتصادية التي ما زالت تجوب أنحاء العالم من فترة لأخرى، والتي كانت لها الأثر على المستوى المحلي والإقليمي بل حتى على المستوى الدولي.
بالعودة إلى ذاكرة التاريخ، نرصد في التسعينيات بعضاً من الأزمات المالية من ابرزها الأزمة الآسيوية والتي اجتاحت شرق وجنوب شرق آسيا وما نتج عنها من انخفاض في عملات الدول، قيمة الأسهم، أسعار الأصول ويقابل ذلك ارتفاعًا حادًا في الدين العام و الخاص.
كما نرصد الأزمة المالية العالمية التي حدثت في أوائل القرن الحادي والعشرين حيث كانت أخطر أزمة مالية منذ الكساد الكبير بعام 1929م والتي أصابت الأسواق المالية الأمريكية ثم امتدت إلى جميع دول العالم. بالإضافة إلى ذلك أزمة الديون التي اجتاحت منطقة اليورو التي بدأت بعام 2009م واستمرت إلى أواخر عام 2010م أي ما يقارب لعامين لكنها كانت شديدة الوطأة على اقتصادات منطقة اليورو.
ولا يخفى على الجميع، ما تسببت به جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) من أزمة إنسانية وصحية وما نتج عنها من أزمة مالية وركود اقتصادي يعدّ ثاني أكبر ركود عالمي في التاريخ الحديث.
مما كان له الأثر السلبي على الأسواق وتسببت بأزمة في سلاسل الإمداد العالمية وما نتج عن ذلك من أزمة في الطاقة و الدواء والغذاء والنقص في الرقائق الإلكترونية. هذا بالإضافة الى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة بشكل ملحوظ يوازيه حالة من الركود وانخفاض الأجور مما أدى بالحكومات حسب الأدوات المتاحة إلى اللجوء إلى رفع نسبة الضريبة أو تقديم قدر غير مسبوق من المبادرات والحوافز بهدف تقليل حجم ضرر الأثر من الأزمة والعواقب الاقتصادية والتي قد تستمر إلى فترات بعيدة المدى.
نتيجة لكل ما سبق، اعترف الاقتصاديون وصانعو السياسات بالمخاطر المالية والتي تلوح في الأفق بين فترة وأخرى. بل أصبح من الأهمية القصوى أن يتم الاعتراف بأهميّة استشراف المستقبل المالي والسعي لتحقيق الاستدامة المالية والتأكد من كفاءة القطاع المالي.
حيث تسعى الدولة من خلالها إلى ضمان النمو و الاستقرار المالي و الاقتصادي، وما يتطلب ذلك من التنسيق بين السياسات النقدية والسياسات المالية لتنفيذ الاستراتيجيات المالية بكفاءة عالية مما يقضي ذلك بضرورة استخدام مزيج من السياستين معاً لإدارة مختلف الصدمات والتحديات سواء كانت صادرة من أزمات محلية أو إقليمية أو دولية، أو على الأقل التخفيف من وطأتها.
تمثل السياسة النقدية عن قدرة البنك المركزي للدولة على التحكم في حجم دائرة الائتمان في الاقتصاد، وتمثل السياسة المالية في تحديد الحكومة للأدوات المالية المتعددة والاستعانة باللازم منها مثل سياسة الميزانية العامة، سياسة الإيرادات العامة و سياسة النفقات العامة. بالإضافة إلى السياسة الضريبية، حيث تسهم تلك السياسات بالتضامن مع غيرها في تحديد النسبة الملائمة للحفاظ على مستوى التشغيل الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة وتحقيق درجة مناسبة من الاستقرار في المستوى العام للأسعار.
على صعيد الشأن السعودي، تسير الدولة المباركة وبتوجيهات القيادة – أعزهم الله عزوجل – نحو استشراف المستقبل المالي وبخطى ثابتة بعد أن أكملت تنفيذ مجموعة من أدوات تحقيق التوازن المالي بنجاح.
من خلال تفعيل وتعزيز أدوات الضبط المالي والرفع من كفاءتها سعياً لضمان الحفاظ على الاستقرار المالي مما ساهم في الانطلاق لتحقيق الاستدامة المالية.
يأتي ذلك بعد إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2023م، الداعمة لبرنامج الاستدامة المالية وهي أحد البرامج التي تستهدفها رؤية السعودية 2030 حينما أكدّت الميزانية على استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الهادفة إلى تقوية الموقف المالي للمملكة وتعزيز مرونة الاقتصاد.
إن المرحلة المقبلة تتطلب استكمال بناء القدرات الوطنية، الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، الرصد المبكر للفرص وتكلفة الفرص البديلة وتحليلها ووضع الخطط الاستباقية قصير وبعيدة المدى لغرض الاستفادة منها وتمويل الاستراتيجيات مما يكون له بالغ الأثر في إحداث حراك اقتصادي من خلال الصناديق التنموية و الصناديق الاستثمارية المملوكة للدولة لضمان التعافي الاقتصادي واستمرار التنمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال