الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الإغراق (Dumping)مصطلح اقتصادي – قانوني قديم نسبياً يتم تداوله عادة في مجال التجارة الدولية، ويشير إلى تلك الممارسة الضارة التي يقوم فيها المنتج في دولة معينة بتسعير السلع والخدمات التي يقوم بتصديرها إلى دول أخرى بسعر أقل من سعرها في الدول المستوردة أو بسعر أقل من تكلفة الإنتاج بغية الحصول على حصة سوقية أكبر في الدول المستوردة. هذه الممارسة تضر بالمنافسة العادلة وتؤثر بشكل مباشر على قدرة الشركات المحلية المنافِسة في الدول المستوردة على البقاء، ولذلك فقد حرصت الكثير من الدول على وضع تشريعات وقوانين داخلية تسمح لها بفرض تعريفات جمركية حمائية على السلع والمنتجات المستوردة التي يتم تسعيرها من قبل المصدّر بأسعار أقل من أسعارها الحقيقية حمايةً للمنتج المحلي.
الإغراق الاجتماعي (Social Dumping) كمصطلح مشتق من التعريف الاقتصادي والقانوني للإغراق التجاري، ويختلف تعريفه الدقيق باختلاف الزاوية التي تنظر منها إليه. فمن ناحية يمكن أن يشير هذا المصطلح إلى تلك المنافسة غير العادلة التي قد تنشأ بين منشآت القطاع الخاص في دولة مستورة وأخرى مصدرة نتيجة لاختلاف الحماية القانونية للعمال في كلا الدولتين، إذ غالباً ما يترتب على وجود حماية قانونية أضعف للعمال في إحدى الدولتين انخفاض تكلفة الإنتاج فيها وبالتالي تمتع منشآتها بميزة تنافسية أكبر.
هذا المصطلح أيضاً قد يشير – وهذا هو المهم في هذا المقال – إلى قيام منشآت القطاع الخاص في دولة معينة باستخدام عمالة أجنبية رخيصة وتفضيلها على العمالة المحلية لاكتساب ميزة تنافسية والحصول على حصة سوقية أكبر استغلالاً لوضع قائم لا يتمتع فيه العمال الأجانب بحماية قانونية كافية مما يترتب عليه ضعف تنافسية العامل المحلي في مواجهة العامل الأجنبي، وبالتالي إغراق سوق العمل المحلي بعدد كبير من العمال الأجانب الذين قد لا يتمتعون بنفس الكفاءة التي يتمتع بها العامل المحلي، وإنما اكتسبوا ميزة تنافسية نظراً لانخفاض أجورهم وعدم تمتعهم بحماية قانونية كافية.
في المملكة، بذلت وزارة الموارد البشرية – ولا تزال تبذل – جهوداً كبيرة للحد من ظاهرة الإغراق الاجتماعي في سوق العمل السعودي فأطلقت العديد من البرامج والمبادرات مثل مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي تسمح للعامل الأجنبي بالتنقل الوظيفي بين منشآت القطاع الخاص وفق ضوابط محددة، وبرنامج حماية الأجور والذي يقوم برصد عمليات صرف الأجور لجميع العاملين والعاملات في القطاع الخاص، وإطلاق تطبيق معاً للرصد – والذي يسمح للأفراد بالإبلاغ عن أي مخالفات متعلقة بنظام العمل ولائحته التنفيذية وتلقي مكافآت مقابلها – وغيرها من البرامج والمبادرات. هذه البرامج والمبادرات ساهمت في رفع مستوى الحماية للعامل الأجنبي، لكنها لازالت غير كافية. العمالة الأجنبية لا تزال تعاني من ظروف عمالية سيئة؛ فهم يعملون لساعات طويلة جداً تتجاوز ساعات العمل المنصوص عليها في النظام، ويعملون في أيام الإجازات كرهاً وبدون أي تعويض مادي، ومقرات إقامتهم وسكنهم غالباً غير مهيئة لسكن الآدميين، ويتعرض الكثير منهم لصنوف من الإهانات بل والضرب أحياناً من قبل أرباب العمل وغيرها من الممارسات. وهنا يبقى التساؤل؛ كيف للعامل السعودي أن ينافس في ظل ظروف عمالية كهذه جعلت من العامل أجنبي أكثر جاذبية لأرباب العمل.
لحماية تنافسية العامل السعودي، لابد من رفع مستوى الحماية القانونية للعامل سواءً كان مواطناً أو أجنبياً من خلال معالجة أوجه القصور في نظام العمل الحالي. من أوجه القصور هذه، أن النظام لا يضع تعريفاً دقيقاً لماهية العمل القسري أو الجبري ولا يضع منه جريمة يسأل مرتكبه جنائياً رغم أنه من أكثر الممارسات الضارة بالعامل شيوعاً في سوق العمل. أيضاً نظام العمل لا يجرّم بعض المخالفات العمالية الجسيمة ولا ينص على عقوبة السجن كعقوبة رادعة لها تتجاوز في قوتها العقوبات المدنية البحتة. نظام العمل حصر العقوبات التي يمكن إيقاعها على صاحب العمل المخالف في الغرامة التي لا تتجاوز 100ألف ريال سعودي، أو إغلاق المنشأة لمدة معينة لا تتجاوز 30 يوماً، أو إغلاق المنشأة بشكل نهائي. هذا يعني أن أياً من المخالفات التي قد يرتكبها أرباب العمل مهما كانت جسامتها وتأثيرها على حياة العامل وكرامته قد يعاقب عليها بعقوبة السجن ما لم تكن هذه المخالفة مجرمة في نظام آخر غير نظام العمل. أيضاً، يجب على نظام العمل أن يمنع التمييز بين المواطن والأجنبي في الأجور من خلال وضع حد أدنى للأجور في جميع القطاعات لا يمكن النزول عنه سواء كان العامل سعودياً أو أجنبياً. أيضاً، لابد أن يكون هنا تعاوناً أكبر بين الوزارة والجهات الأخرى ذات العلاقة من جهة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى خاصة فيما يتعلق بعملية الرقابة والتفتيش وتلقي البلاغات والرفع بها ومتابعة إجراءاتها، وهذا الأمر في غاية الأهمية لإنه لا يمكن التعويل على العمال والأفراد فقط في الإبلاغ عن المخالفات، و لأن الوزارة والجهات الأخرى قد لا تمتلك الموارد البشرية الكافية للقيام بعملية الرقابة والتفتيش كما يجب.
خلاصة القول هي أنه حتى نتمكن من القضاء على ظاهرة الإغراق الاجتماعي لسوق العمل السعودي فلابد من القضاء على مسببات تلك الظاهرة، ومنها ضعف الحماية القانونية للعامل الأجنبي ما جعله يحصل على ميزة تنافسية غير مشروعة أثرت على تنافسية العامل السعودي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال