الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
استقلال لجنة المراجعة في شركات المساهمة بمقتضى لائحة الحوكمة، أحد الاختصاصات التي أُسندت مسألة تشكيلها إلى الجمعية العامة العادية وهي الوحيدة في هذا الشأن من ضمن باقي اللجان الأخرى، واختصت هذه اللجنة بالأعمال الرقابية على الشركة، فتتحقق هذه اللجنة من نزاهة التقارير والقوائم المالية وأنظمة الرِّقابة الداخلية وكذلك ترشيح مُراجع الحسابات الخارجي.
اهتم المنّظم السعودي في حيدة لجنة المراجعة بشركة المساهمة فأشترط ألّا يكون أعضاؤها من مجلس الإدارة التنفيذيين في سبيل تحقيق مبدأ الاستقلال والحيدة، وأن يكونوا من المساهمين أو من غيرهم من أصحاب الكفاءات، وحددّ اختصاصات هذه اللجنة بالمراقبة على أعمال الشركة كحق الاطلاع على سجلاتها ووثائقها وطلب أي إيضاح أو بيان من أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية ويجوز لها أن تطلب من مجلس الإدارة دعوة الجمعية العامة للانعقاد إذا كان هناك ما يعيق عملها من مجلس الإدارة أو إذا تعرضت لخسائر وأضرار جسيمة .
نجد انطلاقاً من ما سبق الاختصاصات في إطارها العام، فأعطى حق الاطلاع عبر فرضه الرِّقابة الإلزامية التي أوجدّها بالنص النظامي كقاعدة عامة ولإكساب ذلك الحق القوة لما قد يواجها من صعوبات في أثناء الممارسة، كما خول لهذه اللجنة حق المساءلة لأي من أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية -على أفتراض أنها محايدة ومستقلة- عن الأعمال والتصرفات التي جرت منهم لمصلحة الشركة، إلى حق دعوة مجلس الإدارة في حال أكتشاف الأضرار أو الخسائر الجسيمة في سبيل تداركها، فالمراقبة الجيدة تتطلب سلطة تمارس المساءلة ووسائل تفتيش جيدة لتحقيقها.
أذاً هل يمكن للجنة المراجعة ممارسة ذلك الدور الرقابي والحيادي والمستقل لمصلحة الشركة، حسب الكيفية التي أفضت إلى تشكيلها وتسميت أعضائها، وهل تحقق الغاية منها؟، فالدور المنوط بالجمعية العامة كسلطة رقابية تمثل جميع المساهمين وجميع الأمور المتعلقة بالشركة، ففرضت وأجازت تشكيل أعضاء لجنة المراجعة من الجمعية العامة لأهميتها وحساسية دورها الحمائي.
فما مدى استقلال وحيدة من يشغل عضوية تلك اللجنة، وهل فعلاً يعد أعضائها (لجنة المراجعة) مستقلين، وهل من الممكن ضمان حيادهم؟ من الوهلة الأولى يظن الغالبية بأنها وبحسب الآلية بنظام الشركات القديم ولائحة حوكمة الشركات بأنها مستقلة، لذلك يتبادر إلينا التساؤلات الآتية؛ كيف يتم اختيار أعضائها؟ والإجابة بالطبع؛ عبر الترشيح من لجنة الترشيحات ومن خلال الجمعية العامة! ولكن هل تعد تلك الجهة مستقلة ومحايدة أيـ (لجنة الترشيحات) بما يكفي!؟ ومن المسؤول عن تسميت أعضائها الإجابة بالطبع لا! لماذا؟ لأن أعضاء لجنة الترشيحات معينين من مجلس الإدارة وبما أنهم معينين إذاً يفتقرون لمفهوم الاستقلال والحيدة، وهم بذلك يتبعون مجلس الإدارة تنظيمياً وموضوعياً.
ففكرة الاستقلال والحيدة وتضارب المصالح تتلخص بأن مفهوم الاستقلال هو عدم وجود صلة مع الطرف أو الجهة، بمعنى عدم وجود أي أهتمام أو أي علاقة أو عمل يؤثر على رأي المستقل، وهو ظاهر متصل بالعلاقة العملية والشخصية والإجتماعية والمالية، ويمكن تميزه، أما الحيدة فهي حالة ذهنية لا يمكن تميزها ولا إثباتها لأنها مرتبطة بالعاطفة والميل ويصعب التدليل على عدم وجودها مالم تكن هناك ظروف وإشارات تشير إليها، فمن يفقد الاستقلال يفتقر للحيدة بطبيعة الحال، لذا لا يمكن التأكيد ولا تحقيق مفهوم المصلحة العامة – مصلحة الشركة- في ظل تعارض المصالح المتوقع من غياب الحيدة والاستقلال.
مع أن المنظم السعودي اهتم بفكرة تعارض المصالح لأختيار أعضاء لجنة المراجعة ولكن لم يجعل لها آلية صارمة تحقق ذلك، ونضمن بها أختيار مستقل ومحايد دون تدخل أو توصية من مجلس الإدارة، فلجنة الترشيحات يتم تسمية أعضائها من مجلس الإدارة، التي بدورها تقوم بترشيح أعضاء لجنة المراجعة (التي تأكد لائحة حوكمة الشركات) على وجوب استقلالها، كما تقوم بترشيح أعضاء مجلس الإدارة كذلك! وهم نفسهم من قاموا بتسميت واختيار أعضاء لجنة الترشيحات، فهل تتمتع بالحيدة، والاستقلال على هذا النحو.
عطفاً على ماسبق هل فعلاً تحققت الغاية النظامية للجان بالكيفية التي تم تنظيمها بها-مراجعة، ترشيحات-، وهل يستقيم لها تحقيق الدور الرقابي أيـ(لجنة المراجعة)؟ للأسف بأفتقارها للمفاهيم الثلاثة السابقة (الحياد، والاستقلال، وتعارض المصالح) لا تتحقق دائماً، سيئ النية من أعضاء مجالس الإدارات يجد ضآلته بهذه الثغرات، أما لترشيح من يوافقه، أو من يسترضيه لمصلحة خاصة، وذلك على حساب مصلحة الشركة كأساس والمساهمين تبعاً.
نستخلص من ماسبق أن الأولى بفكرة التسمية والتشكَّيل بقرار من الجمعية العامة العادية للشركة هي لجنة الترشيحات وليس لجنة المراجعة، فدورها مفصلي ومهم للغاية، ولعلها أحد الثغرات التي ساهمت بطريقة أو بأخرى بتدني نتائج شركات المساهمة وسوء أدائها الذي يأتي دون المتوقع بسبب تولي غير المختصين -غير الأكفاء- لتلك العضويات (سواء عضويات اللجان أو عضوية مجلس الإدارة)، التي بدورها زادت من تكلفة الوكالة التي تساهم الحوكمة في خفضها.
كما أن من الممكن معالجة الإشكالية السابقة بتضمين النظام الأساس للشركة قواعد من شأنها أن تكفل حيدة وأستقلال لجنة الترشيحات، وذلك بواسطة أختيار مرشحيها من خلال الجمعية العامة العادية وبنفس الأجراء المتبع للجنة المراجعة، بالاستناد على المادة الحادي عشر من نظام الشركات الجديد باعتبارها من الأحكام عامة، تأسيساً على مفهوم إرادة الأطراف بالمادة الآنف ذكرها وكما تناولنا في المقال السابق الحوكمة ومفهوم الإرادة في نظام الشركات الجديد، كحل جذري للأشكال بغيب النص التنظيمي الذي يضمن استقلالها وحيدتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال