الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عالم القانون الإداري، نجد ان لدينا ثلاث انواع من الدعاوى التي يتم رفعها أمام ديوان المظالم. هذي الدعاوي متمثلة في دعوى الالغاء، ودعوى القضاء الكامل او ما يسمى بقضاء التعويض، والدعوى التأديبية. جميع الدعاوي تقوم على مبدأ المشروعية. ويعني مبدأ المشروعية هو سيادة حكم القانون. وبمعنى آخر، تمكين الدولة من الرقابة على أداء مؤسساتها والعاملين بها من حيث التزامهم بتطبيق القانون أو عدمه. ويكون ذلك من خلال تظلم المتضررين من أعمال الادارة سواء بسبب تجاوز مبدأ المشروعية أو بسبب المخاطر المنطوية على اتخاذ القرارات ذات العلاقة بادارة مرافق الدولة.
وجزاء مخالفة مبدأ المشروعية هو بطلان العمل الذي انطوى على مخالفة أحكام القانون الدستوري ثم الانظمة العادية ثم اللوائح. هذا البطلان بالطبع لا يحدث الا من خلال رقابة الادارة الذاتية على اعمال موظفيها، او التظلم من المتضررين لدى جهة الإدارة،ومن ثم لدى ديوان المظالم او المحاكم العامة أو اللجان شبه القضائية وفقا للاختصاص القضائي لموضوع الدعوى. بالطبع هذه الإجراءات تشمل أعمال السلطة التنفيذية فقط، مثل أعمال الوزارات والهيئات والمرافق العامة بشكل عام. وتخرج من نطاق هذه الأعمال، أعمال السلطة القضائية و أعمال السيادة مثل الأعمال ذات العلاقة بسياسة الدولة والأعمال التشريعية. هذه تعتبر معلومات اساسية في مصطلح مسؤولية الإدارة عن أعمالها.
الجانب الذي أريد تسليط الضوء عليه في هذا المقال هو معدل الثقة في مؤسسات السلطة التنفيذية. معدل الثقة بالطبع يعتبر مؤشر أساسي من مؤشرات تقييم المخاطر التي تهدد سمعة المؤسسة. جزء منه له علاقة بمدى التزام الجهة الادارية بتطبيق القوانين والتشريعات والخطة العامة للدولة أم أن هناك تجاوزات في هذا الجانب إما بسبب عدم وجود مراجعة قانونية صحيحة لقرارات الجهة الادارية، او تجاهل اهمية دور الادارة القانونية في مراجعة قرارات الجهاز الإداري، أو وجود تعارض مصالح تدفع لاصدار هذا القرار لكونه يصب في مصلحة من اقره، او بسبب وقوع احد جرائم الوظيفة العامة استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح شخصية. وبغض النظر عن الدوافع، على الرغم من أهميتها البالغة من أجل تصحيح الوضع العام للجهة الادارية، الا ان انحراف الجهة الادارية عن اداء اعمالها اما لدعم وجهات نظر شخصية او مصالح شخصية، مخالفين بذلك السياسة العامة للدولة و مبدأ تدرج القوانين، يعتبر خطر بالغ يهدد ثقة الأفراد بالإدارة. وفقدان الثقة بالادارة يعني ان الادارة حادت عن الغاية الاساسية من وجودها وهو تحقيق الصالح العام. وهذا يعني تحفيز لارتكاب جرائم الفساد الاداري و المالي. والمؤشر الأخير هنا ، أن وسائل ارتكاب الفساد سوف تتنوع بشكل يصعب فيه اكتشافه على الجهات المختصة، لان سياسة الدولة العامة تسعى لتعزيز النزاهة و مكافحة الفساد، في حين أن مخالفة مبدأ المشروعية بشكل متكرر يؤدي احيانا الى دفع أصحاب المصلحة لإيجاد طرق اسهل و اسرع من التظلم والتقاضي لإنجاز أعمالهم.
على سبيل المثال، الانظمة تمنح الادارة سلطة تقديرية لمنح التراخيص اما لمزاولة مهنة او فتح مشروع تجاري او صناعي …الخ، وهذا امر لا تثريب عليه. لكن، احيانا يتم الامتناع عن منح مثل هذه التراخيص لاشخاص معينين ليس لانهم غير مستحقين قانونا، وانما لاسباب شخصية او لاسباب تجاوز الاختصاص الموضوعي او المكاني او الزماني، حيث تمنح الجهة نفسها اختصاصات ليست موكولة لها بحكم النظام. غالبا، عندما يتظلم المتضرر من هذا الأمر ويلجأ للقضاء، يتم تصحيح الوضع. ولكن مسألة إجبار المتضرر اللجوء الى القضاء هذا بحد ذاته يترتب عليه ضررا ماديا ومعنويا متعدد وضياع لوقت المتضرر و فوات مصلحة وهذا يخالف الغاية التي أنشئ من أجلها المرفق العام. مثال آخر، عندما تسعى الدولة في سياستها العامة وفي أنظمتها لمحاربة اقتصاد الظل والتستر والسوق السوداء، وفي المقابل، يتم السماح لمشاريع ومواقع الكترونية تروج لمثل هذه الاعمال، وربما يتم تكريمها كونها أتت بفكرة حديثة على السوق. هذا كله يؤثر بشكل سلبي على الثقة في المؤسسات، وهذا يعني أن خطط التنمية لن تستطيع ان تصل الى اهدافها. لان وجود تستر تجاري مثلا او سوق سوداء يعني وجود جرائم مرتبطة بها من أهمها جريمة غسل الأموال. انخفاض الثقة هنا يعني أن المؤسسة تساهم بشكل غير مباشر لتعزيز الفساد وانتشاره. والفساد بكافة أشكاله و انواعه كما نعلم هو الذي يفتك باي عملية تنمية اقتصادية او سياسية او اجتماعية.
وجود المؤسسات التي تعمل بشكل جيد أمر مهم جدا للتنمية الاقتصادية على وجه الخصوص. و من أجل العمل بفعالية ، يجب على المؤسسات العامة أيضًا أن توحي بالثقة لاصحاب المصلحة والمستفيدين من خداماتها. مثلا في استطلاع جالوب العالمي يشير على وجود علاقة عكسية كبيرة بين الفساد والثقة في المؤسسات العامة. وهذا يعني كلما ازداد الفساد قلت الثقة في المؤسسات وكلما ازدادت الثقة في المؤسسات قلت نسبة الفساد. وهذا يعني ان الفساد يمكن أن يعيق التنمية من خلال تآكل الثقة في المؤسسات العامة.
لذلك، انا هنا أعتقد أن الحلول متعددة ومتنوعة، من أهمها إيجاد أساس تشريعي لمبدأ مسؤولية الادارة عن أعمالها، هذا من جانب. الجانب الآخر هو الاهتمام بقياس معدل الثقة في المؤسسات المرتبطة بالسلطة التنفيذية. بالاضافة الى وجوب الاهتمام بشكل كبير في ثقافة المؤسسات وتغييرها، هذه ليست بالأمر السهل ولكنه ممكن. عموما، هذه تعتبر من المواضع المتشعبة ذات الأهمية القصوى للبحث والدراسة وأخذها بعين الاعتبار، اذ ان مستقبل نجاح أي خطة تنموية يعتمد على هذا المؤشر بشكل كبير، لانه ذات ارتباط بمخالفة القانون وخطط التنمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال