الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لعلنا نتخيل معاً سيناريو قد يحدث مع البعض في حالة كانوا من أصحاب المصلحة لاحدى المشاريع التطويرية. مشروع استثماري واعد وضخم، مملوك بين شركة من شركات الصناديق السيادية و احدى الهيئات و ربما وزارة ايضا. تضرر احد اصحاب المصلحة من هذا المشروع بشكل ما، كما لو كان صاحب المصلحة هذا احد المستفيدين من المشروع، اما كمستهلك أو كمستثمر او مقدم خدمة، وحصل اختلاف معين ادى الى حاجته لرفع شكوى فيما يخص الموضوع الذي تضرر منه. ذهب الى الشركة ليرفع شكواه، يأتيه الرد ان هذا الامر ليس من اختصاصهم، هذه من اختصاصات الهيئة، ليذهب المتضرر للهيئة، لتتنصل هي ايضا من مسؤوليتها عن الموضوع بحكم عدم الاختصاص، ليحال على الوزارة والتي بدورها ايضا تعاني من نفس المشكلة، الا وهي ليس لها علاقة بالشركة حيث انها ليست أحد ملاك الشركة، أو ان هذا الاختصاص ليس موكولا لها وهي مجرد جهة مشرفة. النتيجة المتوقعة هي أن يعيش المتضرر في دوامة وضياع حتى يأتي الفرج بعد أن تتقطع به السبل ليتم تحديد المختص بالنظر في الشكوى، يمل من البحث عن المختص لاعطائه الاجابة. السؤال هنا، من هو المخطئ؟ صدقا، ربما ولا مؤسسة من المذكورة اعلاه قد أخطأت، إذ أن الخلل فعلا يكمن في عدم وضوح الاختصاصات.
عدم وضوح الاختصاصات او تداخلها هو نتيجة طبيعية في حالة عدم وجود نضج تشريعي او عدم وجود حوكمة صحيحة رشيدة ومناسبة لطبيعة المشاريع التطويرية والتي يتم اطلاقها. لن اطيل في ايراد المفاهيم الاساسية في الحوكمة، ولكنها بشكل عام هي عبارة عن سياسات ولوائح تحدد فيها معايير صنع القرار والرقابة والمسؤوليات والصلاحيات لتحقيق أهداف المؤسسة. ومن وجهة نظري، من أهم جزئيات الحوكمة الرشيدة هي تحديد الاختصاصات بشكل دقيق، وتحديد طريقة التعامل مع الحالات التي يصعب فيها تحديد الاختصاص خصوصا في المشاريع الضخمة المشتركة بين صندوق الاستثمارات والهيئات الحكومية. وهذا ما يعرف في نظرية الحوكمة الموازنة في قيمة الفاعلية والكفاءة.
بتبسيط أكثر، حصول التنازع في الاختصاصات امر وارد، ونجد الاعتراف به بشكل واضح في السلك القضائي. وهو ما يعرف بـ التنازع السلبي و التنازع الايجابي. التنازع السلبي عندما ترفض الجهات القضائية النظر في النزاع نظرا لأنه ليس من اختصاصها بحكم القانون و النظام العام. اما التنازع الايجابي فهو عندما تنظر اكثر من محكمتين تنتميان لجهتين قضائيتين مستقلتين في موضوع النزاع ذاته. ويوجد لمثل هذه الحالة حلول وفرها النظام الا وهي احالة موضوع النزاع الى لجنة الفصل في تنازع الاختصاص لتحديد المحكمة المختصة. هذا الامر يحدث ايضا في الجهات الادارية، والان مع ظهور مشاريع صندوق الاستثمارات و مشاريع الخصخصة ومشاركة الهيئات لهذه المشاريع إما في الإشراف عليها أو المشاركة في تقديم خدمات معينة لها او انها تمتلك جزء منها ، قد ينتج عنها مثل هذا النوع من التنازع في الاختصاصات. المشكلة هنا أنه يصعب تحديد اختصاصات كلا من الاطراف بموجب قانون او نظام، لان النظام يفترض أن يكون للأمور العامة وتنظيم المصالح بشكل مجرد و عام. إذا، تحديد هذه الاختصاصات يكون من عمل لوائح حوكمة هذه المشاريع، و وضع الية واضحة لمواجهة حالة التنازع في الاختصاص، سواء كان هذا التنازع ايجابي ام سلبي.
الحوكمة هي عبارة عن مجموعة من القيم، والتي يتم اعمالها وتطبيقها على أرض الواقع من خلال وضع سياسات و إجراءات معينة. أهم قيمتين ترتكز عليها الحوكمة هي قيمة فعالية الأداء وكفاءة الأداء. الفعالية تظهر هنا في قياس مستوى تحقيق الأهداف من المشروع ومن عمال لوائح الحوكمة. في حين أن الكفاءة تعني القيام بما هو مطلوب بأفضل طريقة وفي اقل وقت ممكن. وبالتالي المعادلة ليست بتلك البساطة. لذلك، اعتقد ان موضوع التنازع في الاختصاص الإداري للمشاريع القائمة سواء كان بسبب تداخل الصلاحيات او عدم وضوحها، لابد من تنظيمها وفقا لطبيعة المشروع هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى وضع حلول للحالات التي قد لا يتم تنظيمها في لوائح تحديد الاختصاصات والإجراءات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال