الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مراحل التغيير لتحسين وجه المدن، واستعادة المساحات العامة تصطدم هذه الإرادة غالبا برغبات كثير من الفئات في المجتمع المدني والسكان. وأنا أتابع وثائقي بعنوان “مدن صديقة للبيئة”، لفت انتباهي في التجارب التي يستعرضها الوثائقي حجم الممانعة لهذا التغيير، رغم معرفة الجميع بأنه يعيد تشكيل الحياة بشكل أفضل. في تجربة مدينة برشلونة على سبيل المثال كان أصحاب المتاجر يعبرون عن الاستياء بسبب إغلاقات الشوارع، وعدم مرور المركبات أمام المحال التجارية بشكل كافي.
المخططون الحضريون في هذه التجربة كانوا يدركون أنهم أمام تحد كبير لمواجهة نلوث الهواء، وتغير المناخ، ونقص المساحات العامة. مالا يدركه البعض بحسب هذا الوثائقي هو أن الدراسات بالأساس تشير إلى التأثير الإيجابي الذي ينعكس على مبيعات المتاجر من خلال التفاعل بين المشاة وتلك المتاجر. يعرف ذلك من خلال قضاء هؤلاء المشاة لمزيد من الوقت وهم يتعرفون على تفاصيل البيئة من حولهم بشكل هادف ويتفاعلون معها. هذه الإشكالية التي يتشكى منها البعض في مراحل جعل المدينة أكثر رحابة وصداقة للبيئة والإنسان لا تلبث أن تتلاشى مع التعرف على النتائج الفعلية. في ذات المثال لمدينة برشلونة نشاهد حتى محبي رياضة اليوجا يمارسون هوايتهم في المساحات العامة. هذا فضلا عن الأباء والأمهات الذين يشعرون بالأمان لحركة تنقل الأبناء إلى مدارسهم بطريقة أكثر يسر وسهولة.
مدينة باريس التي تعتبر أكثر مدن أوروبا كثافة ب 12 مليون ساكن هي الأخرى باتت على محطة جديدة لاختبار إدارة التغيير مع تحول في مفهوم النقل عبر مزجه بروح ابتكارية تنظر للمستقبل، وتضعه بعين الاعتبار. مع تطوير الطريق السريع على ضفاف نهر السين والذي يكتظ بالمركبات التي تنقل قاطني المدينة باتجاهات الشرق والغرب، أصبح بالإمكان ممارسة الرياضة لراكبي الدراجات الهوائية. كل ذلك بتطبيق مفهوم مدينة الخمس عشرة دقيقة واختبار أهداف الحركة والنقل الأساسية. ولأن مسؤولي المدينة يدركون جيدا أن استخدام المترو لا يمكن أن يكون الوسيلة الوحيدة لجميع السكان، وإلا فإن نظام النقل داخل المدينة يمكن أن ينهار. لذلك فهم يبتكرون حلول مستقبلية من خلال رحلات تجريبية في مشروع “جراند باريس اكسبرس” ورحلات “الفولوكابتر” التجريبية للتنقل. صحيح أنها لا تزال في مراحلها الأولية وتحتاج لدرجة كبيرة من الاختبار، لكنها أحد الحلول المطروحة لمواجهة إشكالية سيطرة حركة المركبات على وجه المدينة بطريقة مخيفة، والتي بدأنا نلحظ أنها تقوم بإزاحة روح المدينة لتبتعد عن المحور.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال