الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يرى توم سميث، مؤلف كتاب شركاء في القيادة، أنّ القيادة هي القدرة على تسهيل الحركة في الاتجاه المطلوب، وجعل الناس يشعرون بالرضا حيال ذلك. وبيّن أن القادة يركزون على الجزء الأول ويهملون الجزء الثاني. ولكن حث الناس على تقبل هذا المسار، هو الأهم والأصعب. خلق التوازن المطلوب هو ما يجعل الموظفين يبذلون قصارى جهدهم مع استمتاع وإخلاص خاصة مع وجود الموارد والتحفيز والتقدير لهذا الجهد المبذول .
لقد تسابق الكُتاب والمحاضرين والمتحدثين في الملتقيات وبعض من يطلق عليهم الخبراء والمختصين في الآونة الأخيرة بالحديث عن الاحتراق الوظيفي. علماً بأنّ هذا المصطلح ليس حديث عهد وإنما تغيرت طرقه وأساليبه تبعاً لتغير أسلوب الحياة العملية ونمط الأعمال كذلك .بدأت بذورها عندما أجرى الطبيب والمعالج النفسي هربرت فرودنبرجر أبحاثاً عن ما سمّاها “متلازمة الاحتراق النفسي لدى العاملين” والذي نشره عام 1974، وقد كانت أول محاولة لتوصيف هذه الحالة الوجدانية، وقد عرّف هذا الاحتراق على أنه فقدان الدافعية لدى الشخص تجاه عمله، لا سيما عندما لا يؤدي انخراطه الشديد في العمل إلى النتائج المتوقعة.
ويُشير هذا المصطلح بشكل عام ومن منظور حديث إلى وصول الموظف الى مرحلة يتوقف فيها عن الإنجاز ويُحجمُ فيها عن العطاء ويكون وجوده مِعْوَل تبديد للجهد، واستمراره محل تضييع وقت ومال لنفسه بشكل خاص وللمنظمة على وجه العموم.. في هذه المرحلة قد يصل الموظف إلى الذهاب للعمل من أجل الجلوس في المكتب لانتظار وقت الانصراف دون انجاز يذكر أو هدف يُحقق. لنكون منصفين يجب أولاً معرفة الأسباب التي آلت إلى ذلك الحال. ومن هنا يمكن تقسيم الموظفين إلى قسمين: المميزين والتقليديين. فالمميز عندما يصل تلك المرحلة يبدأ بالتفكير بالمغادرة أما الموظف التقليدي فقد يكتفي بالاستمرار بقضاء ساعات العمل دون عمل. والذي مع الوقت سيخلق الإنهاك النفسي الذي يؤدي إلى قتل روح الشغف والإبداع .
في إحدى الدراسات الأخيرة التي أجرتها ماكنزي على النوعين (المميزين والتقليديين) من الموظفين (قرابة 800 مشارك للعام 2022) أظهرت أن مايقارب 20% من المحترقين وظيفياً هم من ضحايا سوء الإدارة، كما أشار ٣٥٪ من المشاركين أن القادة المستهترين هم أحد ثلاث أسباب دفعتهم لترك العمل. من جهة أخرى وعلى هامش المؤتمر الألماني للطب النفس-جسدي والعلاج النفسي بمدينة أيسن بألمانيا بيّن الطبيب زينف : إن ربّ العمل لا ينبغي أن يطلب من الموظف المزيد بشكل دائم، وأوضح خطورة تكليف النفس فوق طاقتها في العمل بقوله: الأمراض النفس-جسديه تنشأ بسبب التوتر العصبي بالإضافة إلى أسباب أخرى، وأضاف: إننا نهدر أهم مصادرنا ألا وهي قدرة الموظف على بذل الجهد باستمرار. لذا يجب خلق بيئة عمل صحية متوازنة داعمة ومحفزة تجعل الموظف يعطي ويبذل بسخاء وحب واجتهاد ذاتي محافظاً فيه على صحته النفسية والجسدية والفكرية كذلك .كما على الموظف أن يكون منتبهاً عندما يدق ناقوس الخطر قد يسلب منه صحته ونفسه ووقته، فإذا أحسست بذلك فغيّر مكانك فإن لم تستطع فغيّر أسلوب حياتك وتفكيرك، مارس ما يجعل الضجيج بداخلك يهدأ قبل أن يدمرك وينهك قواك.
باختصار، لم يكن الاحتراق الوظيفي إلا خرافة عزفها سابقون وفسَرها لاحقون فرمى بعضهم أسبابها على من يشاؤون، من وجهة نظري الخاصة ومن واقع تجاربي الشخصية أرى أن لقيادة المنظمة دوراً أساسياً في استنهاض روح الابداع أو تحويل الموظف إلى عود ثقاب مشتعل ما يلبث أن يُستهلك ينطفئ.
يحضرني في الختام قول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله: ” العمل لا يقتل حتى لو كان شاقاً وقاسياً، لكن الفراغ يقتل حتى أنبل ما في الانسان”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال