نحو التأسيس لمجلة اقتصادية بحثية متميزة

يبدو أنه حتى هذه اللحظة لا يزال هناك قصور كبير من قبل الجامعات والمنظمات المتخصصة في الاقتصاد بإصدار مجلة اقتصادية بحثية متطورة تستند على البحوث والدراسات والتحليلات الاقتصادية الميدانية المتقدمة خاصة وأن لدينا الكثير من الخبراء والأكاديميين والشباب الطموح في مجال الاقتصاد.

الفكرة لهذه المجلة ليست مجرد أداة إعلامية فحسب بل إنها تتجاوز ذلك إلى أن يكون لها التأثير والقوة البحثية التي تسند على الدراسات الميدانية واقتراح الحلول للعديد من المشاكل الاقتصادية سواء كان ذلك على مستوى السلوك الاقتصادي أو على مستوى الأزمات الاقتصادية وغيرها من القضايا الاقتصادية المعاصرة وذلك كي تصبح ذات منهجية علمية مفيدة لأصحاب القرار الاقتصادي والمهتمين بعلم الاقتصاد.

الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد عليه أن يتجاوز عمله الروتيني بإلقاء المحاضرات إلى ما هو أبعد من ذلك كأن يكون هناك مركز اقتصادي منظم من قبل جمعية الاقتصاد السعودية والجهات ذات العلاقة (على سبيل المثال) ويكون فريقه ممن يملك الشغف الميداني والتحليل الاقتصادي المرتبط بالبعد الأكاديمي لتكون من أهم مخرجاته مثل هذه المجلة.

إن المستهدفين من هذه المجلة ليس الرأي العام فحسب ولكنها موجة إلى المنظمات والمؤسسات والخبراء التي تستند في أعمالها على معطيات اقتصادية لتكون القاعدة العلمية لها دراسات وأبحاث عميقة كشريان يغذي الأفكار الناشئة والأعمال الجديدة فضلا عن دعمها العلمي كمحتوى ثقافي لكافة الاقتصاديين بكافة اتجاهاتهم.

كان ولا يزال علم الاقتصاد يحمل الكثير من النظريات والمدارس المختلفة والتي شكلت حقبة تاريخية اقتصادية مهمة أنتجت تَنَاصُحًا للأفكار وولدت الكثير من القيم التي باتت منارة تشع بالمعرفة الاقتصادية التي انطلقت من التعليم الأكاديمي أولا ثم النشر ثانياً فكانت المخرجات أسسا تقوم عليها كافة الأنشطة الاقتصادية اليوم وعلى الرغم من انتشار الإنترنت إلا أنه أصبح أيضا أداة مهمة في نمو وتنوع المعرفة الاقتصادية ولذلك تزخر المكتبات العالمية اليوم بمجلات اقتصادية مؤثرة ولها عشاقها من اقتصاديين ورجال أعمال ومنظمات.

في المملكة نمتلك قدرات اقتصادية مخضرمة وأخرى شابة يقودها الشغف والحماس للاستنارة ولتسجيل حضور فاعل في حقل الاقتصاد وأكاد أجزم أن مثل هذه المجلات ستخلق قدرات طموحة قادرة على تحويل أي مفاهيم نظرية إلى دراسات استقصائية ميدانية ذات اتجاهات فكرية جديدة لان مثل هذه الدراسات هي مفتاح النجاح للمجلات الاقتصادية وفي ذات الوقت يجب أن تحتوي على تميز مختلف عن المحتوى الاقتصادي التقليدي الذي يركز على المقال أو التقارير الصحفية العامة.

فرصة هذه الأجيال الاقتصادية كبيرة وواسعة لكن عليهم أن يعلموا أن نجاحهم في علم الاقتصاد يرتكز على الخروج من بوتقة العمل التقليدي إلى بناء محتوى جديد مختلف يلامس احتياجات أصحاب القرار الاقتصادي على مختلف مستويات فالاقتصاد أشبه ما يكون بالبحر كلما غصت في أعماقه كلما التقيت بأفكار إبداعية جديدة تقودك إلى الاكتشافات العالمية الجديدة في علم الاقتصاد وثق أن العبقرية الاقتصادية التي تمتع بها كبار الاقتصاديين عبر التاريخ كانت نتاجا لمحتوى جديد أكسبه الكثير من النجاح.

مجمل القول: نتطلع إلى أن تتبنى جمعية الاقتصاد السعودية مشروع التأسيس لهذه المجلة بدعم ومساندة من وزارة الاقتصاد والتخطيط والمنظمات ذات العلاقة وإعطاء فرصة لجيل الشباب من الاقتصاديين القادرين على صناعة محتوى احترافي مختلف يركز على الدراسات الميدانية والتي تعد بمثابة المعلومة الحقيقية التي تُبنى عليها الكثير من القرارات الاقتصادية في جانبي الاقتصاد الجزئي والكلي.