الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تلوح الكثير من الإشارات بأن عام 2023 لن يكون سهلا على الكثير من البلدان النامية، فإحراز تقدم اقتصادي هذا العام لن يكون أولوية أمام أهمية تجنب الانتكاسات، نتيجة أزمات متداخلة ومعقدة في أهداف التنمية المستدامة، وتغير المناخ، والديون، والصراع الجيوسياسي مع وجود حيز مالي ضئيل أو معدوم لمواجهتها، مما سيخلق أزمة ثقة تجعل المجتمع الدولي القائم على المنظمات الدولية الكبرى وكبار المانحين بإعادة النظر في التعامل مع هذه الدول.
الحقيقة المرة عن أهداف التنمية المستدامة لهذه الدول والتي تصل منتصف المدة الزمنية المرسومة لها (2015-2030)، هي أن جميعها مازالت بعيدة عن المسار الصحيح، بل هناك تراجع في بعض مؤشراتها كمحاربة الفقر وتوفر الغذاء والتعليم والرعاية الصحية والحصول على الطاقة، حسب تقارير لعدة جهات دولية مثل لجنة الإنقاذ الدولية وإحصائيات منظمة التعاون والتنمية، فبالرغم من كل ما قدم من دعم مالي إلا أن هذه الدول لم تحرز أي تقدم ملموس في تمويل أهداف تنميتها المستدامة، ولا تقدم أي خطط تسريعية مما يفقدها ثقة المجتمع المانح الدولي.
أما على مستوى ديون هذه البلدان النامية، فالمتوقع وصول خدمة الدين على الديون الخارجية المتوسطة والطويلة الأجل – وفقًا لإحصاءات الديون الدولية للبنك الدولي – في عام 2023 بحوالي 380 مليار دولار، وهناك 53 دولة في تصنيف ائتماني سيء جدا، منها عشر دول تدين بمفردها بحوالي 60% من مجمل مبلغ خدمة الدين، مما يعني معاناة حرجة كنتيجة كون هذه الدول خارج إطار القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال الخاص بسبب أزمة الديون النظامية التي سيشهدها عام 2023.
وفي ملف المناخ الذي لم يتم الوفاء بمبلغ 100 مليار دولار لتمويل التكيف مع متغيرات المناخ السنوي الذي وعدت به البلدان المتقدمة حتى الآن، فقد وضعت هذه الدول العديد من مشاريع البنية التحتية المستدامة خارج اطار أولويتها، ويظهر بأن التمويل سيكون مقيد الحركة هذا العام أيضا بسبب ارتفاع تكلفة التمويل وارتفاع تكلفة استخدام الطاقة المتجددة، فالحاجة في هذا العام تجاوز تراكم 500 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية المستدامة وحلول المناخ الطبيعي في الزراعة والغابات واستخدام الأراضي ضمن جهود التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه في البلدان النامية.
ويأتي ملف الصراع الجيوسياسي بين العديد من البلدان بكوارث إنسانية مؤلمة بسبب النزاعات المسلحة التي تقود لأزمات خاصة في الغذاء والنزوح وعدم الاستقرار السياسي، وبالرغم من تلبية جزء كبير من النداءات الإنسانية للبلدان التي تعاني الصراعات والعنف (باستثناء أوكرانيا) بمنحها حوالي مليارات الدولارات، إلا أن التكاليف والخسائر لهذه الدول أعلى كثيرا، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA وإحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ليس أمام غالبية حكومات الدول النامية سوى تقديم أولوية العمل على الإنفاق على أهداف التنمية المستدامة وملف المناخ، والديون وأمن حدودها ومجتمعاتها، وغير ذلك سيؤدي إلى فشل قدرة اقتصاداتها على الصمود، مما يساهم في فشل منهجية خروج الاقتصاد العالمي الكلي من ضائقته، وهذا سيجعل المجتمع الدولي يقتنع بأنه لن يكون من المجدي حماية جميع البلدان النامية من المخاطر التي تواجهها، وسيضطر إلى اللجوء للفرز والتركيز على الدول النامية التي تظهر جديتها لمساعدتها في تنفيذ سياسات أفضل ودعم بناء مؤسسات أقوى وإدارة اقتصاداتها بشكل آمن دون غيرها التي لا يعرف إلى إي مجهول هي ماضية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال