الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ساهمت المخاطر التي صاحبت جائحة كورونا والأحداث الأخيرة على الساحة العالمية في كشف استعداد الشركات لمواجهة التحديات المستقبلية من عدمه. والمنشآت تعي أكثر من أي وقت سابق مخاطر التقلبات الحادة والتغييرات المستمرة والتي أصبحت سمة شبه دائمة للأسواق في الآونة الأخيرة. وبشكل عام يبدو أن المستقبل سيتميّز بالمزيد من الغموض والتقلبات.
أحد أهم نتائج الأحداث والصدمات الخارجية غير متوقعة يكمن في كشفها درجة فاعلية الاستراتيجيات والتقنيات التي تتبناها المنشآت والتي تجعلها أكثر مرونة وتكيّفاً. شهدنا خلال الأعوام المنصرمة نماذج جيدة وقصص نجاح لبعض المنشآت استخدمتها لتخطي العقبات والتحديات الناشئة، بعضها من خلال تبني قرارات جريئة للانسحاب من بعض الأسواق من أجل الخروج انقاذ أعمالها أو الخروج بأقل الخسائر، وبعضها راح أبعد من ذلك ونجح في إيجاد مصادر نمو بديلة.
الوظيفة المالية داخل المنشأة تكون غالباً معنية بهذه المخاطر وعليها أن تساهم في الاستراتيجيات والقرارات الحاسمة، وبالتالي تحتاج إلى أن تعزز من وظيفتها وتجعلها أكثر فاعلية، وأن تكون على قدر كبير من الاستعداد للتطورات المستقبلية.
ركزت كثير من المنشورات والدراسات لكبرى الشركات الاستشارية على كيف للإدارة المالية أن تكون مستعدة للمستقبل. تطرقت بعضها إلى أن التوجّه نحو مزيدٍ من التشغيل الآلي للعمليات والتطوّر في ذكاء الأعمال، سيزيد من قدرة الإدارة المالية على التحول نحو الشراكة الاستراتيجية على مستوى المنشأة، وتقديم الرؤى والفهم الأعمق لأصحاب المصلحة، وقضاء مزيدٍ من الوقت في توظيف المعلومات الضخمة التي تمتلكها من أجل النمو. كما من المؤمل أن يتطور الدور المناط بالإدارة بالتركيز على التوجّهات المستقبلية بدلاً من مجرد الإبلاغ عن الأرقام التاريخية. الى جانب ذلك، تشير الدلائل الى زيادة الاعتماد على التقنيات الذكية والتحليلات الموجهة لحل المشاكل. كما أن من المتوقع أن يقل الاعتماد على المهارات الاحترافية لفرق عمل التخطيط المالي، التي في الغالب يدوية، وستغدو مهام روتينية بشكل متزايد نتيجة الأتمتة. إذن، ثمة سؤال يستحق التوقف. ما هي الأدوار والعناصر والممكنات التي يجب التركيز عليها من أجل إعداد الوظيفة المالية لمهام المستقبل؟
من المسلم به، أن جميع الوظائف لها أدوار رئيسية وأن هذه الأدوار يجب أن تمر بمرحلة مراجعة. وبالتالي تعاد صياغتها حسب الظروف والمتطلبات المستقبلية. بالإضافة إلى أن يتم التأكيد على هذه الأدوار لتصل لجميع من في المنشأة ابتداءً من مجلس الإدارة مروراً بالمستويات الإدارية العليا حتى تصل إلى جميع الموظفين. سيكون لزاماً كذلك إعادة تصميم المتطلبات الفنية لكل دور والمسار المطلوب ويفضّل أن يشمل ذلك خطط وبرامج تطويرية لضمان كفاءة الأدوار واستمراريتها.
التأكيد على الوظيفة الاستراتيجية للإدارة المالية يأتي كذلك من أولويات الإصلاح للوظيفة المالية لتكون أكثر استعداداً للمستقبل. ويجب أن ينعكس ذلك في طريقة تفاعل قيادات الشركات ومسؤولي العمليات، كما ويجب أن تستعد الإدارة المالية وبشكل أفضل للمساهمة عند صياغة أي قرار ذا أهمية استراتيجية، وتزيد من تعاونها مع بقية الوظائف الذي بدأ يثبت مع الوقت قيمته المتزايدة.
الاستثمار والاعتماد أكثر على التقنيات الحديثة كذلك، هو الآخر، مطلب مهم من أجل مستقبل الوظيفة المالية. ورغم أن الإدارة المالية الرقمية مازالت في خطواتها الأولى، وبشكل عام يعد هذا المفهوم ناشئاً، إلا أن هناك إمكانات مستقبلية هائلة سيكون بمقدور المسؤولين الماليين في الشركات استغلالها لصالح منشآتهم. موقع الوظيفة المالية وتقاطعها مع جميع المراكز والاقسام الأخرى، وامتلاكها لقواعد البيانات والمعلومات التجارية، يجعل من الاستثمار في التحوّل الرقمي أمراً حتمياً وذا جدوى. ثمة قدرات وإمكانيات متطورة توفرها الثورة الرقمية من شأنها أن تحقق نقلة نوعية في تدفق العمليات وأدوات التنبؤ والتحليل للصناعة، والتعامل مع البيانات الضخمة، وغير ذلك. أضف إلى ذلك أن كثير من مجالس الإدارة وصناع القرار يأملون في تمكينهم من المعلومات التجارية بشكل فوري وآني وهذا النوع من التحليل يسمى بالتحليل الآني أو الوقتي (Real time analysis) وينتظر مثل هذا التحليل مستقبل باهر في ظل وجود مثل هذا الجيل الرقمي والإمكانات والقدرات المتطورة.
المهنة ذاتها تعدُّ عنصراً مؤثراً في شكل الوظيفة المستقبلي. فالتطور التقني والرقمي سيتيح للمحاسبين المزيد من الوقت لتطوير كفاءتهم وقدراتهم الوظيفية وزيادة صلاتهم بأعمال المنشأة ليصبحوا شركاء فعليين. وفي ظل هذا التقدّم، لن تكون مهارات إعداد السجلات المحاسبية والتعامل مع قواعد البيانات المالية ضمن المهارات الاساسية المطلوبة فقط، بل إن قائمة المؤهلات المطلوب توفرها في المهنة بدأت في التوسّع لتشمل المعرفة بالتطبيقات التقنية وكيفية تشغيلها وتطويرها، بالإضافة إلى امتلاك مهارات مثل التفكير النقدي والابتكار والتواصل والعمل الجماعي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال