تركي آل الشيخ .. إبداع حتى الجنون

من النادر أن ترى مسؤول حكومي لديه كاريزما في مجال عمله ، ويحظى بمتابعة جماهيرية في مواقع التواصل الاجتماعي، والكل يتودد للقائه ومقابلته، ليس لمصحة بل إعجابا به وتميزه في مجال عمله.

بصراحة ترددت كثيرا قبل أن اكتب هذا المقال، ومرات عديدة كتبت مقدمته إلا أنني كنت امسحه وأعود اكتب من جديد، واسأل نفسي، ما أهمية هذا المقال، وكيف سيفسره القراء، وربما يشطح البعض في تفكيره أن كاتب المقال يبحث عن إرضاء هذا المسؤول والتقرب منه، إلا أن الصحفي المجنون والمؤمن بفكرة مقالته، لا يتردد أو يتراجع عن هدف يسعى الى إبرازه وحقيقة يجب أن يقولها، ولا يهتم بما يفسره الأخرون، لست مسؤولا عن الفهم الخاطئ للآخرين، إنما يهمني أن أقول رأي بصراحة.

رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، قدم للمجتمع السعودي صورة جديدة واحدث تغييرا في مفهوم الترفيه، لم نكن نتوقعه كسعوديين، وبقيت المطاعم والمنتزهات احد أهم مراكز الترفيه لدى الأسر والعوائل السعودية منذ عقود، وبعض الاحتفالات التي كانت تقام، فيما كان الخروج للبر أو الشواطئ البحرية ضمن احد اهم بنود الترفيه التي عهدها السعوديون.

في البداية لم يكن تركي بن عبد المحسن آل الشيخ معروفا لدى السعوديين، سوى عند القلة من الناس وخاصة محيط أصدقاءه ومعارفه، إنما صعود نجومية تركي آل الشيخ سعوديا وإعجاب الناس به بدأت تدريجيا حينما تولى حقيبة الهيئة العامة للرياضة في السعودية، وبرزت معه بعض الأنشطة الرياضية الجديدة التي لم يألفها الشارع الرياضي.

كان يفكر خارج الصندوق، مستندا بمبادرات رؤية السعودية 2030، متحزما بالقوانين والأنظمة التي دعمت أفكاره وتوجهاته، قطاع الترفيه الذي كانت مساهماته في الناتج المحلي السعودي صفر في المائة قبل سنوات ليرتفع الى 3 في المائة ويتوقع أن تصل مساهمته الى 6 في المائة بحلول 2030.

قطاع الترفيه يشكل الآن لاعبا مهما ومؤثرا على الاقتصاد السعودي، ومنح المملكة مراكز متقدمة في المنصات العالمية حيث قفزت الى المرتبة 33 متقدمة 10 درجات، وارتفع استهلاك السعوديين في قطاع الترفيه الى نحو 13 مليار ريال مقارنه بعام 2016 بزيادة بنسبة 90 في المائة. استطاع تركي آل الشيخ من خلال برامجه الجريئة والشجاعة، رغم ظهور أصوات مناهضة في مواقع التواصل لإحباط مخططه في مجال الترفيه، إلا انه تحمل كثيرا، ولم يلتفت لأي مضايقات طالما يسير وفق خطة ممنهجة، خطواته الشجاعة في اطلاق موسم الرياض بتنوعه الترفيهي والثقافي، حول العاصمة السعودية الرياض الى وجهة مهمة للسياح من الداخل والخارج.

لم يتصور أحد انه سيرى يوما ما ضمن الفعاليات الترفيهية مهرجان ميدل بست والموسيقى ومؤتمر اكس بي الذي شارك فيه أكثر من 100 فنان حضروا من دول مختلفة، كما وصل لأول مرة عدد زوار فعاليات الصيف الى 12 مليون زائر.

رحلة الإبداع والجنون استمرت في مخيلة رئيس هيئة الترفيه السعودية، فهو الى جانب انه مشاغب في مواقع التواصل وخاصة تويتر، لأنه يقوم بالرد شخصيا على بعض التعليقات وأحيانا يستفز متابعيه بوضع سؤال أو انتقاد من أحد أو فعالية.

هذا الحراك الجريء في تفعيل الترفيه في السعودية أشعل الحماس لدى الجهات والهيئات الأخرى، بل أصبح أيقونة تتشارك معه الوزارات المرتبطة، فتنسجم قراراتها بفعل مركزية الحكومة، اذ رأينا قبل ايام تفاعل وزارتي السياحة والخارجية، حينما أصدرت تأشيرة المرور لزائري السعودية وسهلت العديد من القوانين والأنظمة بما يتيح سهولة قدوم السياح، والمشاركة الفاعلة في مهرجاناتها، وافتتحت في السعودية 350 صالة سينما ويتوقع أن تخلق 450 ألف فرصة عمل خلال الست الأعوام المقبلة.

وانتعشت المتاحف والآثار، لأول مرة بدانا نرى فرق مسرحية تقدم أعمالها على صالات المسرح، ونرى مهرجانات سينما أشبه بـ كان والأوسكار، مهرجان السينما الأوروبية والبحر الأحمر، وجوي اوورد. أصبح منظر الحفلات الغنائية واحدة من اهم ملامح الترفيه وتكريم الفنانين، ولعل آخرها ليلة صوت الأرض التي اشترك فيها أكثر من 40 فنانا من العالم العربي، وتفاعلت الرياضة يتنظم الفورمولا1 في جدة والدرعية ورالي حائل.

وضع تركي آل الشيخ معيار للمناسبات والمهرجانات التي يشرف عليها ويتابعها شخصيا، بحيث يصعب للآخرين تقليده، والحقيقة انه لا يملك عصا سحرية، كل ما فعله رئيس الهيئة انه وظف مبادرات رؤية 2030 ووضع التعليمات والأنظمة والعقوبات المشددة لمن يتجاوز الخطوط الحمراء سواء من المنظمين أو من الجماهير والحضور.

في عالمنا العربي تحتاج الى مسؤول يفكر بجنون وإبداع يملك حماس طاغي للعمل، لدية طاقة إيجابية، بشرط أن ينجح في استقطاب استثمارات ويخلق فرص عمل، بالتحديد نحتاج الى استنساخ تركي آل الشيخ في أكثر من منشاة حكومية وأهلية.