الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عادة ما يلجأ الشخص إلى استخدام الحيلة في تعامل ما لأجل الحصول على منفعة عجز عنها خلال قناة رسمية أو طرق نظامية. وقد يكون ذلك عائد إلى شدة حاجته، أو مجرد رغبته في المال والسلطة، لا أكثر. وهو على أي الحالين تصرف غير أخلاقي وغير قانوني. فهو غير أخلاقي لأنه سلوك لا يقبل أن يُعامل بمثله، لذا فهو سلوك يشبه السرقة لانطوائه على خفية واستتار. فالسارق يُخفي شخصه، والمحتال يُخفي حقيقة معلوماته أو حالته. وهو غير قانوني أيضاً لأن القانون يُجرّمه في أي بلد لما يترتب عليه من تعطيل حقوق وفساد ذمم وتأثير سلبي على الاقتصاد.
ويبدو أن نشاط التأمين يتصدر النشاطات التجارية التي يكثر فيها الاحتيال، إلى درجة أن البنك المركزي السعودي أصدر لائحة لمكافحته وكشف أفراده وطرق احتيالهم. فإدارة مراقبة التأمين لديها “لائحة مكافحة الاحتيال” وضمنتها تعريف الاحتيال، وصفات المحتالين وأماكنهم، إلى درجة أنها صنفت موظفي شركات التأمين كأحد أفراد المحتالين المحتملين، إضافة إلى وسطاء ووكلاء شركات التأمين، والمتعاقدين معهم، ومنهم العملاء.
يبدو أن ليس ثمة نظام أو لائحة صدرت في بيان أنواع الاحتيال في نشاط ما، عدا نشاط التأمين. ذلك أن الصناعة المالية عرضة للاحتيال، وصناعة التأمين جزء من الصناعة المالية، بل هي أرض خصبة لمرتكبي الاحتيال. والتأمين الصحي يعدُّ أحد أكبر محافظ الأعمال في أي بلد. ومن ثم فإن تعرض قطاع التأمين بشكل عام – والصحي بشكل خاص – للاحتيال أكثر من غيره من الصناعات المالية. والمثير، أن الأطراف المشاركين في الاحتيال هم أطراف ذو علاقة بالقطاع الصحي أو التأمين. فشركات التأمين، والمؤمن لهم، وأصحاب العمل (مؤسسات وشركات)، وشركات (إدارة/تسوية) المطالبات التأمينية TPA ، والمستشفيات، والعيادات، والصيدليات، ومراكز العيون والنظر والبصريات، والمختبرات ونحوهم هم أفراد بل وربما أبطال عمليات الاحتيال في هذا القطاع.
في هذا الصدد، يُقدر مكتب التحقيقات الفيدرالي الاحتيال في الرعاية الصحية بنحو 80 مليار دولار سنوياً. فجميع شركات التأمين تقريباً تعرضت لنوع أو آخر من الاحتيال. ويمكن تقدير نسبة الاحتيال في شركات التأمين الصحي أو التي تتعامل مع التأمين الصحي من 3٪ إلى 20٪ تقريباً من إجمالي مبلغ المطالبة. والمزعج، أنه إذا لم يُسيطَر على الاحتيال التأميني، فإن العملاء -المؤمن لهم- هم من يتحمّل التكلفة.
ونظراً إلى خطورة التأمين فإن لائحة مكافحة الاحتيال ألزمت شركات التأمين بإنشاء إدارة تُعنى بمكافحة الاحتيال في حال ارتأت إدارة الشركة ضرورة ذلك. وبعد أن أوضحت اللائحة أنواع الأفراد الذين يُمكن أن يحصل منهم ممارسات احتيالية – على ما أشرنا إليه آنفاً – عمدت إلى ذكر مؤشرات للاستدلال بها على احتمالية وجود ممارسات احتيالية من موظفي شركة ما أو عملاء. فمن ذلك، قد تجد في شركة تأمين الممارسات التالية: اتحاد مجموعة موظفين للموافقة على عمليات أو قرارات مالية، تعدد المدراء التنفيذيين، تضارب المصالح بين المدراء وأعضاء فريق العمل والشركات الخارجية والمتعاقدين، احتساب نسبة عمولة بطريقة غير معتادة، عدم أخذ إجازات واستمرار العمل إلى ساعات متأخرة، تقديم إجابات غير مقنعة لفريق إشرافي أو مدققي حسابات، هذا كله في الإدارة العليا. أمّا في الإدارة التشغيلية فقد تجد مثلاً: ضعف برامج التدريب، سرعة تدوير مدراء أقسام المالية والمحاسبة، ضعف الإجراءات المحاسبية، ضعف أو غياب الأدلة الإجرائية، ضعف توثيق الصفقات والعمليات، عدم تبرير إعادة هيكلة الأصول، عدم ترابط نسب المالية مع النتائج، ارتفاع التكاليف دون مبرر أو عند مقارنتها بشركات منافسة، ضعف إجراءات الرقابة الداخلية. إضافة إلى ذلك، فقد يتواطأ موظف في شركة التأمين مع محتالين أو مع مراكز صحية أو مع وكلاء تأمين، وقد يكون على علم بطرق احتيالهم لكنه يغض الطرف عن ذلك، بعدم اتخاذ إجراءات التحري والضوابط التي وضعتها الشركة. لذا ولسد تلك الفجوة، أوجبت اللائحة على شركات التأمين وضع هيكل تنظيمي واضح وغير معقد مع تحديد مهام وظيفة كل منصب، والفصل بين الوظائف، وعدم تضارب المصالح، والإلتزام بأخذ الإجازات السنوية، والتدوير الوظيفي للمدراء.
تلك ممارسات قد تقع من موظفي شركات تأمين، لكن ممارسات موظفي الشركات المتعاقدة مع شركات التأمين (وسطاء ووكلاء تأمين) فإنها قد تكون أكثر احترافيةً بسبب معرفتهم بشركات التأمين ومنتجاتهم والعملاء. فمن صور الاحتيال لديهم: الاحتفاظ بأقساط تأمين مدفوعة نقداً من عملاء، وثائق تأمين لأشخاص وهميين، وذلك بدفع القسط الأول للحصول على عمولة ثم إنهاء الوثيقة. ويدخل في هذا النوع من الوكلاء (وكلاء تسوية المطالبات المستقلين)، حيث يمارسون الاحتيال بتقديم مطالبة غير مقبولة والسعي لقبولها. لذا ألزمت اللائحة بعدم دفع عمولة قبل جمع القسط الأول مع الاحتفاظ بجزء منها كوديعة مؤقتة عند التعامل مع شركات جديدة أو غير معروفة، إضافة إلى الالتزام بعدم قبول الدفع النقدي من العملاء.
أمّا الأفراد فهم يمارسون الاحتيال من خلال عدم الإفصاح عن المعلومات الصحيحة، أو المبالغة في تقدير الضرر، أو رفع مطالبة علاج وهمية، أو انتحال هوية آخر للاستفادة من عضويته في التأمين، أو السعي لاستخراج شهادة وفاة للحصول على مزاياها، خاصة إذا كان لديه عدة وثائق تأمين على الحياة. وقد يكون هو فرداً من عصابة محتالين، مهمتها الاحتيال على شركات التأمين. والجدير بالذكر أنه قد يكون من بين هؤلاء الأفراد: طبيب أو مركز صحي، حيث يقع الاحتيال منهم بالتلاعب في الوصفات الطبية، أو التشخيص باستخدام اختبار معين ورخيص إلا أنه عند المطالبة يرفع إلى شركة التأمين بسعر عالي، على أنه استعمل الاختبار المكلف. كل ذلك دون علم المريض، أو قد يُجري له فحصاً عن مرض غير موجود، أو يزيد في مبلغ الفاتورة، أو يقدم عدداً من الفواتير لا أساس لها، أو تضارب معلومات التشخيص مع تقارير طبية صادرة من مراكز صحية أخرى، أو عدم تجانس العلاج مع المرض، أو جعل المراجعة والعلاج في أوقات العطل أو بعد انتهاء وقت عمل المنشأة، أو عدم اتفاق تخصص الطبيب مع نوع المرض.
ختاماً، ثمة وسائل أخرى لأجل تقليل الاحتيال على أو في شركات التأمين الطبي، منها: الحوكمة، ووجود إجراءات داخلية وضوابط لدى شركات التأمين تُعنى بكشف الاحتيال مثل برامج محاسبية دقيقة ونحو ذلك، وعدم التسامح مطلقاً تجاه من يثبت احتياله من موظف أو عميل. كذلك من الأهمية بمكان توعية الموظفين والمتعاقدين عن عواقب الاحتيال، وتخصيص بريد إلكتروني لاستقبال الشكاوى والبلاغات حول المخالفات. كذلك فإن مشاركة المدير التنفيذي مباشرةً في أي تحقيق يتعلق بقضية احتيال أمرٌ مهم. وتعيين محقق للتحقيق في مطالبات الوفاة خاصة إذا تعددت وثائق التأمين على الحياة. أيضاً ينبغي عدم إغفال استخدام تكنولوجيا المعلومات والبرامج الحاسوبية الحديثة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لكشف ممارسات الاحتيال، مع اتخاذ إجراءات مشددة مسبقة حول قبول وثائق التأمين والمطالبات، والحرص على وضع إجراءات للتدقيق والتفتيش العشوائي على المستندات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال